إيهاب شغيدل/ جريدة العربي الجديد
لم تتغير كثيرًا قائمة دور النشر المشاركة في السنوات الأخيرة، وكذلك انتظام الفعاليات المرافقة لـ معرض بغداد الدولي للكتاب الذي افتتحت دورته السادسة والعشرون، أول من أمس الأربعاء، في العاصمة العراقية، وتتواصل حتى الحادي والعشرين من الشهر الجاري. إلى جانب عرض الكتب والإصدارات الجديدة، يشمل المعرض ندوات فكرية وأمسيات أدبية وتوقيعات، فضلًا عن الورش التدريبية، في محاولة لجعله جزءًا من الحياة الثقافية المعاصرة وربطه بالتراث أيضًا، حيث تستعاد مهنة الوراقة، من خلال ورشة متخصصة في صناعة الورق الطبيعي، وتبيان أنواعه، واختلافاته في الحضارات الإنسانية، إلى جانب ورش الخط والحروفيات.
كما تستضيف الدورة الحالية، التي تقام تحت شعار "بغداد أجمل.. حين نقرأ"، كتّابًا عربًا منهم الروائية اللبنانية هدى بركات، والروائيون المصريون نورا ناجي، وعبد الرحيم كمال، وأحمد مراد، ومحمد سمير ندا، والمترجم مارك جمال.
يشير المدير التنفيذي للمعرض، أزهر عبد الوهاب الراضي إلى أن دورة العام الجاري تتميز بتوسّع في المشاركات العربية والأجنبية، كما مزجت دعوات المشاركة بين المباشر منها والتقديم الإلكتروني المفتوح، مع اعتماد معايير تضمن التنوع، والجودة، واحترام حقوق الملكية الفكرية، والتعاون مع اتحادات الناشرين لاختيار دور النشر، ومع لجان استشارية من أكاديميين ومثقفين لاختيار الضيوف.
أوضح أنّ "المعرض يسعى ليكون منصة لدعم صناعة الكتاب والنشر في العراق والعالم العربي، من خلال ربط الناشرين بالمؤلفين والقراء، وفتح فرص تعاون جديدة، والترويج لثقافة القراءة والحوار والانفتاح، ورغم التحديات نتطلع إلى أن يشهد المعرض زيادة في عدد الزوار وتوسيع قاعدة القراء، إلى جانب بناء شراكات جديدة تدعم استمرار صناعة النشر عربيًا".
برنامج ضيف الشرف
تحضر دولة قطر ضيف شرف المعرض، واستوحي تصميم جناحها من العمارة التقليدية القطرية، وهو يقدم تجربة ثقافية متكاملة لا تقتصر على عرض الكتب، بل تتيح للزوار التعرف إلى تنوع المشهد الثقافي القطري من الأدب والفكر والفنون إلى التراث الحي والحرف التقليدية، حيث يقام معرض للصور الفوتوغرافية يضم لقطات تعكس معالم قطر الحديثة وملامح عمارتها التقليدية، ومشاهد من الحياة اليومية والبيئة البرية والبحرية، كما تُنظّم عروض للحرف التقليدية مثل صياغة الذهب وصناعة السفن الخشبية، وأُعدت أيضًا خطة لتوزيع كتب مجانية خاصة بالأطفال على مدار أيام المعرض.
تنظّم سلسلة من الندوات والمحاضرات، من أبرزها: محاضرة بعنوان "المسرح القطري: تجربة خمسين عامًا وأكثر" للكاتب حسن رشيد، وأخرى بعنوان "هندسة المشاريع والفعاليات الثقافية: تجربة وزارة الثقافة القطرية" يقدمها ناصر مال الله المالكي.
بادرة "اقرأ"
أعلنت إدارة المعرض عن استمرار مبادرة "اقرأ" التي تعد الدعم الحكومي الأبرز للكتاب، وتشرف عليها وزارة الشباب والرياضة لتشجيع الشباب على القراءة، من خلال توزيع قسائم شراء مجانية، قد تصل هذا العام لنحو 20 ألف قسيمة، قيمة الواحدة منها 25 ألف دينار، وهي مخصصة لشراء الكتب من داخل المعرض وتوزع على الشباب بين عُمر الثانية عشرة والثلاثين عامًا. المبادرة التي تحظى بتمويل من مؤسسات حكومية وشركات القطاع الخاص أثبتت قدرتها على جذب عدد كبير من الجمهور للمعرض منذ نحو عامين.
لتسهيل زيارة الجمهور للمعرض، أتاح المنظّمون تطبيق "معارض الكتاب"، والذي يمكن عبره متابعة أخبار المعرض، وطلب الكتب، والاطلاع الكامل على خرائط المعرض من حيث توزيع دور النشر، ومتابعة الفعاليات الخاصة بالمعرض، كما يمكن عبر التطبيق التقديم على قسيمة "اقرأ"، الأمر الذي يُحفّز المواطنين على الحضور.
ضمن خطتها التسويقية، استخدمت إدارة المعرض استراتيجية لم تكن شائعة، فعادة كانت تكتفي بنشر الملصقات الإعلانية في الأمكنة الحيوية في بغداد، وخصوصًا في مناطق قلب العاصمة، غير أن فِرَق المعرض وزّعت عشرين ألف بوستر داخل العاصمة وفي مناطق متنوعة، فضلًا عن جهودها في الميديا، والنشر المستمر، تحاول دُور النشر أيضًا أن تساهم في عملية التسويق وجذب الجماهير.
غير أنّ كل هذه الجهود لا تخفي مخاطر حقيقية باتت تعصف بعملية نشر الكتاب وتسويقه، الناشر اليوم وراق البارحة، غير أنّها تطوّرت تطوّرًا لافتًا، واتسعت لتصبح مصدر دخل للكتّاب، وصارت اليوم قطاع عمل كاملًا لطَيْف واسع من التخصصات: الكتّاب، والمحرّرون، والناشرون، ومعامل الورق، والمصمّمون، وعمال المطابع، وهي تواجه تحديات كبيرة تهدّد مستقبل هذه الصناعة، التي تنقذها في بعض الأوقات معارض الكتب، التي صارت موسمًا لنشر وطباعة الكتب الجديدة، وباتت مصدرًا يحرك هذا القطاع اقتصاديًا، وبالتالي ثقافيًا.