جيرار ديب (اللواء)
كتب الأمير خالد بن سلمان على منصة "إكس"، "السعودية وباكستان في صف واحد ضدّ المعتدي... دائمًا وأبدًا". ما يمكن استخلاصه، هو متانة العلاقة بين دولتين الأولى تحتاج إلى مظلة نووية تؤمّنها لها الثانية، التي هي بدورها تحتاج إلى استثمارات مالية واقتصادية، تؤمّنها الأولى.
ليس بجديد العلاقة بين البلدين، ففي تشرين الأول عام 2024، ظهر وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، محاطًا بكلّ من رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ورئيس أركان الجيش صاحب النفوذ الجنرال عاصم منير، وبدا عليه الرضا بسبب مدّ باكستان شريان حياة لدعم اقتصاد إسلام أباد 2.2 مليار دولار، بحيث غطت مجموعة من القطاعات من الطاقة إلى الزراعة.
لا نقاش حول نوعية العلاقة بين البلدين التي تعتبر حاجة قومية لكليهما، لكنّ أن يصفها الأمير خالد على أنها "دائمًا"، هذا ما لا يمكن ضمانه، لأنّها أتت عبارته في وقت تشهد المنطقة وآسيا عمومًا على "خربطات" جيوسياسية، ترتبط بإعادة خلط أوراق التحالفات بين الدول. إضافة إلى أنّها تفتقر إلى مظلة أمنية أميركية بعدما شهدت العاصمة القطرية (الدوحة) اعتداءات "إسرائيلية" برضى أميركي، إن لم نقل بتوافق أميركي، وذلك بعد أشهر من تخصيص الرئيس الأميركي دونالد ترامب، زيارته الأولى بعد توليه منصب الرئاسة إلى دول الخليج العربي. لا شك إن العلاقة الأميركية - السعودية شهدت نوعًا من التحسّن، وذلك بعد تراجع واضح في عهد سلفه الرئيس جو بايدن، الأمر الذي دفع بالمملكة إلى تجميد "اتفاقية كوينسي" بين البلدين، وفتح في المجال في مروحة واسعة من العلاقات على رأسها الصين وروسيا، وحتّى إيران.
لا أحد يستطيع ضمان استمرارية التحالفات بين الدول، خصوصًا وإن العدوّ يتغيّر ويتبدّل بحسب الظروف والمصالح. فإن راجعنا الانفتاح السعودي خارج العلاقة الأميركية، يتضح لنا أن بكين لعبت دورًا مفصليًا في الدفع بـ"الرياض" للانفتاح أكثر على حلفائها تحديدًا طهران. إذ استطاعت الصين من الجمع بين إيران والسعودية تحت عنوان تمتين العلاقة بينهما، مسقطًا ورقة هامة من يد واشنطن والتي لطالما رفعتها في وجه دول المنطقة تحت مقولة "إيران شرطي الخليج".
إن الانفتاح السعودي - الإيراني، لم يتوقف عند لقاء بكين، بل بدأ يشهد على تمتين العلاقة بين البلدين، من الناحية الدبلوماسية والأمنية. فالموقف السعودي الداعم بالمطلق لإيران في حرب الـ12 يومًا في حزيران الماضي بين "إسرائيل" وإيران، كان مفاجئًا، ولا سيما إن المرشد الإيراني كان واضحًا على اعتبار إن عملية حماس في 7 تشرين الأول أتت لفرملة الاندفاعية السعودية نحو التطبيع. ليس هذا وحسب، بل برز تطوّرًا مفاجئًا آخر يتعلق بالموقف الباكستاني أكثر تطوّرًا في رفع مستوى التهديد بالدفاع عن برنامج طهران النووي من أي اعتداء أو قصف "إسرائيلي" يطال منشآت إيران النووية.
يحرص الأميركي على الحفاظ على علاقة متميّزة مع دول الخليج العربي، رغم إنه يؤمن بأن استمرار الحرب في قطاع غزّة واجب على "إسرائيل"، وما اعتماد واشنطن حق النقض ضدّ قرار أممي لوقف حرب غزّة إلّا دليل على ذلك. إذ فشل مجلس الأمن في جلسته الخميس 18 أيلول الجاري، من اتّخاذ قرار وقف الحرب على قطاع غزّة بعدما استخدمت واشنطن حق النقض ضدّ المشروع. إضافة إلى أن واشنطن تعارض المملكة في السير قدمًا نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهذا ما يوضح أن الخلاف السعودي - الأميركي في نقاطه يرتبط بمشاريع "إسرائيل" في المنقطة التي على ما يبدو لا حدود لها طالما إن لرئيس الوزراء ال"إسرائيلي"، بنيامين نتنياهو حلم بناء "إسرائيل" الكبرى.
إن الموقف الباكستاني المؤيد لإيران لا يمكن الخروج من مظلة الرضى السعودي، التي بحسب المصادر المقرّبة، هي من كان لها الدور الرئيسي في هذا الإعلان، على اعتبار أن المملكة التي تستثمر اقتصاديًا في باكستان تستثمر إستراتيجيًا في القرارات المصيرية. فالمملكة بعد استشعرت أن إدارة الرئيس الأميركي ذاهبة في سياسة تعويم "إسرائيل" على حساب دول المنطقة، وبعدما أدركت أن التحالف الصيني والتقارب مع إيران لم يستطيع تعويم دورها في المنطقة، اختارت المملكة خيارات أساسية من خلال الصورة التي تعمّد فيها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، نشرها إلى جانب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف الأربعاء 17 أيلول الجاري.
فهذه الصورة التي تظهر على متانة العلاقة حملت مجموعة من الرسائل في أكثر من اتّجاه، إلى الجانب "الإسرائيلي" بهدف لجم جنون نتنياهو التي لا حدود لها سوى جرّ المنطقة إلى فوضى، بهدف إعادة ترتيب أوراقها من جديد وتحديد القوى الفاعلة فيها. ثانيًا إلى الجانب الأميركي، بأن المظلة الأمنية غير كافية، وإن تقارب الملف لا تبتغيه المملكة، فهي ذهبت في خيار مختلف يعتمد على دورها رئيسي في قضايا المنطقة، خصوصًا بعد محاولة أميركية من تحجيم دورها في لبنان وسورية. وثالثًا، إلى اللاعب الإيراني، الذي رغم التقارب إلّا أنّ المملكة تختصر المشهدية الضامنة لإيران من أي اعتداء جديد، وإن التحالف مع المملكة هو خيارها من أي اعتداء جديد.
لا تقف المقاربة السعودية عند حدود الضمانات، فالرياض تعمل مع حلفاء لها على بناء مفاعيلها النووية، سلمية كانت أم لأغراض عسكرية. إذ أدركت دول المنطقة أن امتلاك القنبلة النووية حاجة لا بدّ منها في رسم توازنات القوّة المستقبلية، وسط تسارع دولي على امتلاكها. فكما الإصرار الإيراني على امتلاكها كذلك السعودي مع فارق في الأداء، إذ توجهت المملكة إلى توقيع إستراتيجية دفاعية مع الدولة النووية لضمان أمن بلادها. أن امتلاك القوّة الردعية للرياض لم يعد خيارًا بل قرارًا تعمل عليه، هذا ما يجعل من المملكة تسلك الطريق نفسه لباكستان في التوجّه نحو امتلاك القنبلة.
رغم إن الصورة حملت الكثير من الأبعاد لكنّها أيضًا وجدت فيها المملكة أكثر من ضرورة لبناء مظلات أمنية بعيدة عن المظلات التقليدية. وإن الدول الإسلامية قادرة على أن تصنع مظلة رادعة مشتركة، بعدما فشلت إيران في تكريس واقع الحضور والنفوذ في المنطقة. اعتمدت الرياض على النووي الباكستاني دون سواه، كي تنتقل من ملعب التابع للقوة العالمية إلى موقف الشريك الحقيقي في المنطقة وآسيا تحضيرًا للنظام الجديد القادم والقائم على مبدأ الأقطاب.