اوراق خاصة

في الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان.. الحرب لم تنتهِ..!

post-img

حسين كوراني

تمرّ، اليوم الثلاثاء، الذكرى الأولى على توسّع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 أيلول/سبتمبر 2024، عندما شنّ جيش الاحتلال هجمات واسعة على لبنان طالت الجنوب والبقاع وبعلبك والعاصمة بيروت، ما أسفر عن ارتقاء أكثر من 490 شهيدًا وما يزيد عن 1600 جريح في يوم واحد، قبل أن يتغول ويحوّل عدوانه إلى حرب مفتوحة استمرت 66 يومًا، انتهت بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. 

يوم الاثنين، في 22 أيلول من العام الماضي، بدأت "إسرائيل" حربها البربرية تحت اسم "سهام الشمال"، وأخذت توسّع اعتداءاتها في أكبر هجوم جوي لها منذ تأسيس كيانها المصطنع، لتشمل أكثر من 1700 غارة طالت مختلف المناطق اللبنانية بعدما كانت هجماتها مركزة في الجنوب، وبخاصة في قرى الحافة الأمامية التي هجّرت أهلها منها منذ الثامن من تشرين الأول 2023، وهو تاريخ فتح المقاومة جبهة الإسناد دعمًا لقطاع غزة. 

كانت "إسرائيل" قد استبقت عدوانها بتنفيذها عدد من الضربات التي طالت المقاومة، وأبرزها تفجير أجهزة "البيجر" واللاسلكي، في 17 و18 أيلول 2024، والتي أدت إلى استشهاد ما لا يقلّ عن 40 شخصًا وجرح أكثر من ثلاثة آلاف شخص منهم أمهات وأطفال، وتلاه هجوم 20 أيلول الذي استهدف الضاحية الجنوبية وأدى إلى استشهاد 18 من قياديي قوة الرضوان، منهم قائد الوحدة إبراهيم عقيل، ونحو 50 مدنيًا.

كما أسفر عدوان 23 أيلول على لبنان، والذي انتهى عند فجر 27 تشرين الثاني 2024، عن سقوط 3961 شهيدًا و16520 جريحًا، إلى جانب أكثر من مليون نازح. وشملت الهجمات الإسرائيلية مباني سكنية ومدارس ومستشفيات ومراكز إسعاف، ودور عبادة ومواقع أثرية وإعلامية ونقاط تجمّع صحافيين، وغيرها، وكذلك جوار مطار بيروت الدولي، فعلّقت شركات الطيران رحلاتها إليه، إلى جانب المساحات الحرجية والزراعية الواسعة، من دون أن تستثني حتى مراكز الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. إضافة إلى الاستهداف الممنهج للقطاع الصحي والعاملين في مجال الإغاثة والدفاع المدني، كما ارتكبت مجازر بحق المدنيين من خلال استهداف أبنية سكنية في مناطق مكتظة، بعضها تأوي عددًا كبيرًا من النازحين، وقد هدفت هذه الهجمات إلى نشر الرعب بين الناس في محاولة لتخويفهم من استقبال النازحين.

كما ارتكبت "إسرائيل"، في الأسبوعين الأولين من الحرب، سلسلة اغتيالات طاولت قادة الصف الأول من حزب الله، على رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله في 27 أيلول، ثم خَلَفَه السيد هاشم صفي الدين في الثالث من تشرين الأول 2024، واعتداءات صُنّفت دوليًا بجرائم حرب. كما لجأت إلى سياسة إبادة المدن لتدمير أحياء بأكملها، سواء بالقصف أم التفخيخ، بغية تفكيك النسيج الاجتماعي وتحقيق أهداف سياسية وديمغرافية وعسكرية، وأصدرت مئات الإنذارات إلى السكان بضرورة الإخلاء.

في الأول من تشرين الأول 2024، بدأت "إسرائيل" عمليات برية داخل الجنوب اللبناني، وشملت عملياتها إلى جانب القصف المدفعي، سياسة الأرض المحروقة، مدمرة نطاقًا واسعًا من القرى والبلدات والمساحات الزراعية والحرجية.

في المقابل؛ أعلن حزب الله في بيان خوض المعركة بكل قوة. وعلى الرغم من فقده زمام المبادرة في البداية بعد استشهاد أمينه العام وعدد من قادته، إلا أنه أعاد تنظيم صفوفه تدريجيًا وبسرعة، وخاض مواجهات بطولية في قرى الحافة الأمامية، من الخيام إلى ميس الجبل وعيتا الشِّعب وصولًا حتى الناقورة، مانعًا جيش الاحتلال من التمركز في أي بلدة حدودية، في معركة أسماها الأمين العام الحالي للحزب الشيخ نعيم قاسم، في خطابه الشهير في 30 تشرين الأول 2024، "معركة أولي البأس".

مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، في 27 تشرين الثاني في العام الماضي، أعلن حزب الله أن عدد عملياته منذ إطلاق جبهة إسناد غزة في الثامن من تشرين الأول 2023، بلغ أكثر من 4637 عملية عسكرية، بمعدل 11 عملية يوميًا، من ضمنها 1666 عملية عسكرية متنوعة منذ بدء العدوان على لبنان. 

استهدفت عمليات الحزب مواقع وثكنات وقواعد جيش الاحتلال ومدنًا ومستوطنات إسرائيلية، بدءًا من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، حتى ما بعد "تل أبيب". كما تضمنت التصدي لتوغلات قوات الاحتلال البرية داخل الأراضي اللبنانية. وفي إطار عمليات "أولي البأس" نفّذ الحزب 105 عمليات عسكرية ضمن سلسلة عمليات "خيبر"، استهدف خلالها عشرات القواعد العسكرية والأمنية والاستراتيجية والحساسة، مستخدمًا الصواريخ البالستية والدقيقة والمسيّرات الإنقضاضية التي وصلت حتى ما بعد "تل أبيب"، بعمق 150 كيلومترًا. وكانت أقوى هجماته، في يوم الأحد في 24 تشرين الثاني 2024، حين أطلق أكثر من 300 صاروخ إلى الداخل الإسرائيلي، طاولت شوارع ومقرات رئيسة، بالإضافة إلى تدميره عدد من دبابات الميركافا عند محوري شمع والقوزح في القطاع الغربي، ما أحدث ضربات موجعة جدًا للعدو. وهذه وقائع أدت إلى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار برعاية أميركية وفرنسية.

في هذا السياق، يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني علي أبي رعد، في حديث صحفي، إن "حزب الله تعرّض في اللحظات الأولى لنوع من التفكك، وذلك بعد تفجيرات البيجر واللاسلكي واغتيال قادة الصف الأول، خصوصًا أنه فقد منظومة القيادة والسيطرة، وتعرّض لضربة معنوية قيادية كبيرة. لكن، في الوقت نفسه، حافظ على نوع من التماسك في الميدان، بإصرار وتنسيق وبموجب التعليمات التي تسمّى "دائمة" في القيادة العسكرية، إضافة إلى عامل مرتبط بالجبهة الأمامية، لأن حزب الله حزب عقائدي أيديولوجي، ومن يقاتل على الخط الأمامي هم أبناء البلد، خصوصًا في جنوب الليطاني الذين فضّلوا الاستشهاد على تسليم السلاح أو الاستسلام. وهذا ما حافظ على استمرارية حزب الله في المعركة لأيام معدودة لحين أعاد السيطرة والقيادة بشكل كامل، وإن بالتواصل بوسائل بدائية، كما أعاد ملء الفراغات على مستوى القادة، ما دلّ على حسن التنظيم".

لكن، اليوم، وبعد عام من بدء العدوان الواسع، تبدو الحرب وكأنها لم تتوقف، في ظل اعتداءات جيش الاحتلال اليومية، فيما يبقى احتمال تكرار العدوان واسع النطاق قائمًا، في ظلّ ضرب "إسرائيل" عرض الحائط اتفاق وقف إطلاق النار الذي التزم به حزب الله، بعدما تجاوزت خروقاتها له الـ4500. هذا وتتمسّك "إسرائيل"، وبضوءٍ أخضر أميركي بهدف إنهاء حزب الله عسكريًا، وتحقق هذا الهدف يبدو مستحيلًا بعد تخطي الحزب للضربات كلها التي تعرض لها وأعاد بناء صفوفه كما كانت.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد