أوراق سياسية

باراك الحكواتي.. بين الموقف الأميركي والحقد الشخصي!.. 

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)
  
منذ أن وطأت قدماه لبنان مبعوثا أميركيا والسفير توم برّاك يعيش حالة من الانفصام ترجمها في تصريحاته المتناقضة بين الإيجابية خلال لقاءاته الرؤساء الثلاثة والقيادات السياسية والإشادة بالخطوات اللبنانية، وبين السلبية المطلقة بعد مغادرته لبنان عقب كلّ زيارة حيث كان يهاجم آداء المسؤولين اللبنانيين ويتهمهم بالتقصير في تطبيق التوجيهات الأميركية، وصولًا إلى تهديده لبنان بضمه إلى بلاد الشام في حال لم يسرع في حصر سلاح المقاومة، وبتجدد العدوان "الإسرائيلي"  عليه، وإيجاد المبررات له، ما أفقده دور الوسيط الذي انتدبته له بلاده للعمل على وقف الأعمال العدائية.

قبل يومين وبعد انقطاع باراك عن زيارة لبنان لفترة، أطل بمواقف عالية السقف هي أقرب إلى "الإسرائيلية" من كونها أميركية، حيث أعلن العداء لحزب الله محمّلا الحكومة مسؤولية إعادة ترميم نفسه، ومؤكدًا أن "إسرائيل" لن تنسحب من النقاط الخمس التي احتلتها.

واللافت أن كلام باراك مرّ من دون ردود فعل لبنانية للرد عليه، حيث انتظر رئيس الحكومة نواف سلام نحو 48 ساعة لإصدار بيان خجول جاء بعد مواقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري نقلها عنه زواره حيث عبروا عن “استيائه من كلام باراك الذي يشكّل مباركة للتصعيد والاحتلال "الإسرائيلي"  وتنصلا من كلّ المباحثات التي أجراها في لبنان”.

اللافت أن الرئيس سلام اكتفى في بيانه بالاستغراب فقط، بدل الشجب والتنديد والرفض، معتبرا أن كلام باراك هو تشكيك

بجدية الحكومة ودور الجيش، في حين أن ما قاله هو اتهام واضح وانتقاد صريح وتهديد مباشر.

وقد سارع سلام إلى تقديم جردة حساب لما قامت به الحكومة على صعيد الالتزام ببيانها الوزاري والإصلاحات وحصرية السلاح، في محاولة دفاع ضعيفة عن نفسه، بدل أن يواجه باراك بفشله في مهمته وفي انتزاع خطوات إيجابية من العدوّ "الإسرائيلي"  تجاه لبنان الذي التزم بوقف إطلاق النار بشكل كامل.

لا شك في أن كلام باراك له وجهان، الأول أن يكون ناتجا عن حقد شخصي على زميلته مورغان أورتاغوس التي يبدو أنها حلت مكانه، وقد ظهر ذلك جليا خلال الزيارة المشتركة الأخيرة، حيث لم يحضر باراك تكريم أورتاغوس في حفل عشاء أقيم على شرفها في أحد مطاعم الأشرفية، وآثر تلبية حفل عشاء آخر مع بعض الأصدقاء في مطعم على مقربة منه، وعندما أقام النائب فؤاد مخزومي حفل عشاء على شرف باراك غابت أورتاغوس عن الحضور، ما يشير أن بينهما “عداوة كار” تُرجمت في لبنان وانعكست عليه سلبا.

لذلك، يبدو واضحًا أن كلام باراك كان يهدف إلى استهداف مهمّة أورتاغوس وهو جاء بعد يوم واحد من مشاركتها في اجتماع لجنة وقف إطلاق النار، خصوصًا أن الورقة التي فرضها باراك على حكومة سلام تضمنت إلغاء لهذه اللجنة، وإنهاء اتفاق وقف إطلاق النار، ما عرّضها لكثير من الانتقادات كونها تفرض اتّفاقًا جديدا يصب في مصلحة "إسرائيل".

ومع عودة أورتاغوس إلى الملف أعيد إحياء هذه اللجنة وتعيين جنرال أميركي جديد رئيسا لها، ما يعني إسقاط ورقة باراك التي جاءت مقررات الحكومة في الخامس من أيلول لتجمدها بانتظار الخطوات "الإسرائيلية".

أما الوجه الثاني، فهو محاولة باراك التعويض عن فشله في مهمته اللبنانية، وتحميل المقاومة مسؤولية ذلك بتوجيه الاتهامات إليها، وكذلك إلى الحكومة اللبنانية.

في مطلق الأحوال، فإن باراك تحدث بلسان "إسرائيلي" وتولى عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو توجيه التهديدات إلى لبنان، وإذا كان الأمر نابعا من موقف شخصي كونه يجاهر بصهيونيته أو كان ترجمة لموقف أميركي، فالأمر سيّان، بعدما أثبتت المواقف الأخيرة أن السياسة الأميركية تتجند لخدمة العدوان "الإسرائيلي"  وتشكيل شرق أوسط جديد على قياس الاحتلال.

والمستغرب في هذا الإطار، هو الصمت المطبق والقاتل لمدّعي السيادة اللبنانية الذين بلعوا ألسنتهم حيال تهديدات باراك وتدخله السافر في الشؤون اللبنانية، في حين يتشدق هؤلاء في التفتيش عن تصريحات معينة للإعلان بأنها تهدّد الاستقرار في لبنان واقتراح تقديم شكاوى بشأنها إلى مجلس الأمن.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد