اوراق خاصة

سمات كاريزما الشهيد نصر الله والتأثير الإستراتيجي في مسيرة الصراع

post-img

حمزة البشتاوي/ كاتب وإعلامي

لم تسقط الراية، كما أن لحظة استشهاد السيد حسن نصر الله، في 27 أيلول في العام 2024، لم تكن إلا تأكيدًا إضافيًا بأن حضوره وتأثيره سيبقى طويلًا بيننا، بما قدمه من عطاء وتضحيات، خاصة بعد توليه الأمانة العامة لحزب الله، حين حمل راية المقاومة من سيد شهدائها بشجاعة وإخلاص وإيمان، وقام بتعزيز ومد جسور التعاون مع تيارات وفصائل المقاومة كلها في فلسطين، مع ملاحظة تطور هذا التعاون بشكل كبير بعد انتصار أيار في العام 2000 واندحار جيش الاحتلال عن معظم أراضي جنوب لبنان، وبعد انتفاضة الأقصى وانتصار تموز 2006 وصولًا إلى فتح جبهات الإسناد بمواجهة الحرب الأطول والأشرس في تاريخ الصراع مع الاحتلال.

لقد شكّل السيد الشهيد حسن نصر الله في حضوره، والذي لا يعرف الغياب، درة تاج المقاومة ونبراسها وشعلتها المضيئة على أسوار القدس التي أحبها، وأحبت هي بهاء وعنفوان إطلالاته المكرسة في معظمها للقدس التي عمل في الطريق إليها بلا كلل أو تعب.. وفي استشهاده لم تغلق نوافذ الأمل والعمل؛ بل إن أبواب العزيمة والإرادة سوف تفتح بقوة وثبات، على الرغم من قسوة الزمن والعدوان.

ارتبطت سيرة السيد الشهيد القائد الملهَم والملهِم ومسيرته بالإصرار على دعم فلسطين وشعبها ومقاومتها، على الرغم من الصعوبات والمخاطر والتحديات كلها، وفداحة التآمر والصمت والخذلان الذي تتعرض له قضية فلسطين العادلة والمقدسة. لقد عمل سماحته على قاعدة نصرة الحق، مهما كان الثمن ومهما بلغت التضحيات، وكان يقدر ويجل كل حركات التحرر في المنطقة والعالم التي تقف مع الحق بمواجهة الباطل. وكانوا ينظرون إليه بفائق الأمل والحب والتقدير، عندما كان يصدح صوته الباقي والحاضر والمدوي مخاطبًا القلوب والعقول كلها؛ قائلًا: لن نتخلى عن فلسطين.

السيد وفلسطين

كانت علاقة شهيد القدس والأمة مع فلسطين تقوم على ثلاثة أبعاد رئيسة؛ وهي: البعد العاطفي، البعد الأخلاقي، البعد العقائدي. هذه الأبعاد أصبحت من السمات شخصية القائد القدوة والمثال في ضمير المحرومين في وطنهم ولمحرومين من وطنهم القابضين على جمر المقاومة والنضال والمصير والوعي المنتمي إلى العاطفة والنضال والمصير والمعرفة، مهما تربص بخطواتهم الحاقدون والأعداء.

لقد وضع الشهيد الأسمى القدس وأرض فلسطين الشامخة في مركز العمل السياسي والعسكري والثقافي إستنادًا إلى نهج الإسلام الثوري المحمدي الأصيل الرافض للخضوع، والمدرك بأن "إسرائيل" هي شر مطلق وغدة سرطانية يجب أن تزول.

لن تنسى القدس العاصمة الأبدية لفلسطين ولا الضفة المقاومة وغزة الصابرة الموقف التاريخي والمبدئي لحزب الله، والسيد الذي أرسى عهدًا جديدًا في مسيرة الكفاح الثوري المقاوم في العصر الحديث، وهو الذي جمع في شخصيته أقوى وأجمل سمات الكاريزما القيادية الفذة في التواصل والتحفيز والثقة والالتزام والتواضع والتعاطف ووضوح الرؤية والهدف بحب وكبرياء.

السيد كان قائدًا استثنائيًا دائم الحضور في المجال السياسي والعسكري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وحتى في شؤون العدو الإسرائيلي كان خبيرًا يعرف تفاصيل التفاصيل من نقاط القوة والضعف. وكانت خطاباته وإطلالاته محل قلق وانتظار من العدو والصديق؛ كونه القائد الصادق الحكيم العالم واسع الفكرة والبصيرة القائمة على الفخر والاعتزاز بالهوية والانتماء.

كما أن مواقفه ذات التأثير الاستراتيجي كانت محل اهتمام كبير، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي. وكانت بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية قد وصفته بــ"سيد الحرب النفسية"؛ لما توقعه كلماته في المستوطنيين الإسرائيليين وقياداته الأمنية والعسكرية والسياسية من قلق وخوف وتراجع بالمعنويات.

في المقابل؛ كانت كلماته للقابضين على جمر المقاومة، وما تزال، تسهم في إعادة ترميم الحكاية، وحاضرة كمشعل يضيء الروح ودرب العاشقين ويرفد شجرة المقاومة وكل ما تحتاجه إلى ضوء وصمود وثبات، وهو الباقي فينا كشعلة نصر وأمل لا تنطفئ.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد