فادي الحاج حسن/ كاتب لبناني
لأننا أجّلنا حزننا كمن يكتم نهرًا جارفًا خلف سدّ من بذور الصبر، ولأنكم كنتم في فؤادنا نبضًا لا ينضب، وأغلى من أفق يتسع له القلب، ولأن ذكركم صار له وجعٌ يعلو على الكلمات، وتلكم الأسماء التي باتت كأنها شموعٌ تنطفئ حين نُسامرها، ولأنكم كنتم الحياة كلها وأسرار وجودنا، ها نحن نغوص في بحر الفقد، وذنوبنا لا تكفيها دموع الأرض كلها.
يا أيلول، كيف لك أن تحيا وتقف شامخًا بين شهور السنة، وأنت الحاضن لدموعنا التي تسيل كأنهار الضياع في أعماقنا؟ كيف تستمر وتبقى ونحن نهيم مذعورين في متاهات الغياب القاتل؟ أنت ذلك الوشم الذي نقش ألمنا على جلد الزمن، والسفرة التي تقطع أوصال الأيام بلا رحمة أو وداع.
لقد تركتم في سماء قلوبنا كواكبًا من الألم لا تنطفئ، وصرخة الأرض التي ألهبت ريح الأحزان حتى صار صمتكم مطرًا يبلّل وجوهنا بلا رحمة. كم حرمنا من دفء الأيام، وتركتمونا على هامش العمر، نرنو إلى ظلالكم في ليلٍ بلا نجوم، وأشجارٍ بلا أوراق، وأحلامٍ تتبدد صدىً في صحراء الألم غير المتناهي.
لكن، وسط هذا السواد، لا تنطفئ فينا شمعة الصمود.. فالحياة، وإن اغتالتنا الأحزان، ما تزال تنشد لنا نشيد البقاء. نغزل من خيوط الفقد أغصان أملٍ تتسلل عبر نوافذ القلب، نرويها بعزائم لا تقهر، ونرويها بصبر ينبثق من أعماق الروح المشروخة.
سنظل كشجرة الصبار في صحراء الأسى، تتحدى لهيب الحرمان، تنبت من جراحها زهور الصبر، موسومين بروح الكفاح التي لا تكل، تضيء دروبنا حين تغلق الشمس أبوابها، ونمضي رغم الريح الهوجاء نحو فجرٍ جديد، حيث الحزن يصبح ذاكرتنا، والصبر عنوان وجودنا.
سنة
وقد طالت بنا الايام
وضاقت الدنيا
وصغرت في عيوننا الحياة
ولم تعد تعنينا الآمال
سنة
والشوق يقتلنا
والجفون لم تعد تستطيع كبح الدموع
والقلوب مزقها الفراق
سنة
والصوت هزيل
والسمع فقط لصوتك يحن ويأن
كيف لا تضمنا بين لحديك
كيف لا تقبلنا تحت قدميك
كيف لنا أن نحيا ونحن من دونك أموات
لا خيار لك معنا
أما أن تعود أو أن نرحل اليك
سيدي لا يليق بنا رحيلك عنا
سنة؛ وكل ما بقي لنا لا يحتسب عندنا بعدك حياة
إلى الأب الذي علّمنا كيف نحيا
وقد علّمنا أنه من دونك لا حياة
سيدي أجّلنا حزننا ولا نستطيع الفراق
يا نصر الله