اوراق خاصة

أيها الشامخ الباقي فينا.. لك مجد الأوطان

post-img

حسن نعيم/ كاتب روائي

مفترشًا ركام المنازل المقصوفة، منحنيا كالقوس تؤرقني صرخات الأطفال وولولة النساء رأيتك يا سيد في ما يرى الحائر بين الصحو والمنام، تخيط من ثوب الشمس خيوط الأمل، لتغطي عراء هذه الأمة النائمة تحت سنابك خيول الأعداء..

شاهدتك باسطا جناحين كالسنونو عند الأصيل؛ تزرع الخضرة في عيون الأطفال..

رأيت وجهك المسافر في الأزمان قمرًا يطلّ من بين بيّارات برتقال يافا... ألفيته يتنقّل بين الخنادق ويتمشى على أرصفة غزة وبين أحجار الركام ، يمر بين حبال غسيل المخيمات التي أقيمت على عجل على بحر غزة، تسقي أطفالها  من ماء عينيك، وعندما نظروا إلى عينيك تطايروا كالفراشات هاتفين بصوت واحد: يا سيد أنت الماء، وأنت  الهواء... من شفاهك ينزل المطر، من كفيّك ينبت جدول بين العشب وضوء القمر

لمحتك وراء هذا السور وهذا الليل، نجمة على خد فلسطين...

يا أغلى الشهداء…رأيتك النور في شعاع المنابر،  في أغاني الثوار،  في قصائد الشعراء، ومعاول الكادحين..

أبصرتك ملاحًا يقود مركبة الشمس إلى ساحة الرضوان الأقدس..

أبصرتك عارفًا يلقّن أنفاس الفجر أذكارًا وأورادًا وتسبيحات..

رحت ألملم شظايا المرايا المتكسرة، أجمع صدى صوتك الهادر بالثورة والكفاح في وجه الصحراء.. وأتشمم قميصك المتخثر بدم الحقول..

كنت شامخا كجدك الحسين (عليه السلام )، لاتهاب المنايا، لما صحت بهم ... فلسطين كانت وستبقى القضية…

مع صهيل الفجر أسرجت يا محطم الأوثان وفارس الفرسان خيول الميدان، فتناثرت يواقيت الشعل الحمراء وتطايرت من أكمامك  نسور المقاومة، فتشقق الهيكل وتدفق حقد أورشليم الأسود تدميرًا داكنًا وتهجيرًا باكيًا ظلم ذوي القربى وعفن الأعراب ، وأثداء الرمل الشحيحة وأشواك الكلام، قبل لعنة الكيان الملعون ابتداءً في كتب الله..

نحن الذين عشنا في زمانك وأجواء نورك المتألق، نشهد أن مشاعلك أنارت لنا طريق الحرية، لن ينطفئ لك مصباح، ولن يطال كرومك يباس، نم قرير العين يا سيدنا، عام مضى على غيابك وما وهنوا، وما استكانوا وما ذلوّا..

سنة؛ مضت وهم على العهد والوعد، كأنك حي بينهم، بل كأنك ساكن فيهم إلى الأبد. في كل صباح يفتحون لك كتاب، فلا تغلق يا سيدي دونهم الأبواب، دعهم يرتشفون من رحيق عينيك عسل المقال والمقام، يودوّن لو يطيروا إليك، وينالوا مثلك حسن الختام..

ولتخسأ عيون الأعداء، ولتخب ظنونهم، ولتخمد مؤامرات برّاك، وليحمل عواصفه القادمة وبركه الوحلية وليعد من حيث جاء فلا حاجة لنا بالبريد الراعد القادم من بلاد الأعداء، ولنطرد من البلاد كل من وفد في هذا الليل الثلجي ليحاور الضحية، على تسليم سلاحها، وتقديم جلدها لمسلخ القانون الدولي...

علمتنا يا سيد أن مهر العواصف لا يكون إلّا أنهارًا من دماء، أنهارٌ لا تجف أثداء ينابيعها ولا تخمد نيران غضبها حتى -يأذن الله- في أمرها.

قد يقتلون الشوارع وفرح الطفولة، وأشياء كثيرة لكن هيهات.. هيهات أن يقتلوا فينا الروح والعزيمة...

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد