غسان ريفي (سفير الشمال)
وضع رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون حدا للاستهداف الذي يتعرض له الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية منذ أيام على خلفية فعالية إضاءة صخرة الروشة.
ضرب الرئيس عون يده على الطاولة، مؤكدًا أن “التطاول على المؤسسة العسكرية خط أحمر”، وذلك في رد واضح وصريح على كلّ من حاول خلال الأيام الماضية النيل من الجيش، بعد فشل مخطّط زجه في مواجهة مع جمهور المقاومة يوم الخميس الفائت، ما أدى إلى حالة من الغضب بدأت لدى رئيس الحكومة نواف سلام الذي لوّح بالاعتكاف قبل أن يتراجع إلى الاجتماع الوزاري التشاوري لبحث تداعيات إضاءة صخرة الروشة، وانتهت عند بعض التيارات السياسية ونواب من السياديين والمستقلين الذين شككوا بدور الجيش ولم يتوانوا عن كيل الاتهامات له.
وقد جاء ذلك في محاولة واضحة لتصفية الحسابات السياسية مع المؤسسة العسكرية لعدم تصديها لفئة من اللبنانيين سواء لجهة حصرية السلاح التي دونها عقبات جوهرية تتعلق بالاحتلال "الإسرائيلي" وعدوانه اليومي المستمر، ضمّنها قائد الجيش العماد رودولف هيكل في الخطة التي قدمها إلى مجلس الوزراء، أو لجهة عدم مواجهة عشرات الآلاف الذين تجمعوا أمام صخرة الروشة لإنارتها، حيث نجح في ضبط الأمن وتمرير الفعالية من دون ضربة كف.
هذا النجاح للجيش لم يرق لبعض التيارات السياسية الذين سارعوا إلى مساندة رئيس الحكومة نواف سلام في الهجوم على المؤسسة العسكرية وتحميلها مسؤولية إنارة الصخرة، حيث ثبت بالوجه الشرعي أن بعض هذه التيارات كانت تحرّض من أجل حصول مواجهة بين الجيش والمشاركين، للاستثمار فيها سياسيًّا وممارسة المزيد من الضغط على الجيش والمقاومة على حد سواء.
لذلك، فقد كان رئيس الجمهورية جوزيف عون حاسما برسم الخطوط الحمراء أمام أي استهداف، والارتقاء بالجيش إلى المهمات الوطنية الكبرى في ضبط الحدود ومكافحة التهريب والمخدرات وضبط الأمن والاستقرار في البلاد بطولها وعرضها، والتأكيد على أن الجيش نفذ مهامه كاملة وحافظ على أمن الجميع، وعند هذا الحد تنتهي مهمته، وذلك في إشارة واضحة إلى أن الجيش لا يتدخل في مخالفة تعاميم إدارية أو ما شابه ذلك، أي أنه ليس من مهامه منع إضاءة صخرة الروشة أو إجبار المشاركين على الالتزام بالتعاميم الصادرة بهذا الخصوص.
وجاء تكريم رئيس الجمهورية جوزيف عون لقائد الجيش العماد رودولف هيكل بمنحة وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر تقديرا لعطاءاته وإنجازاته، وبالرغم من المعلومات التي تسربت حول أن هذا التكريم هو تقليد معتمد من قبل رئيس الجمهورية لقائد الجيش وأن موعده كان محدّدا قبل سفر الرئيس عون إلى نيويورك، ليشكّل رسالة جديدة بأن الجيش اللبناني هو عماد الوطن وصمام أمانه، وأن قائده يقوم بالمهام الموكلة إليه على أكمل وجه، وأن أية محاولة للنيل منه أو استهدافه سيأتي ردها من رئيس البلاد الذي قطع الطريق على المصطادين بالماء العكر في هذا الإطار.
وانضم رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الرئيس عون حيث زاره في قصر بعبدا وعقد معه لقاء وصف بالممتاز، حيث أطلع عون بري على أجواء لقاءاته في نيويورك، وأطلع بري عون على ما حصل خلال الأيام الماضية، وكان بري أكد أن “الجيش خط أحمر وأن استهدافه مرفوض من أي جهة كانت”، مشدّدًا على أن “الجيش ليس ملكا لفريق دون آخر، بل هو مؤسسة لكل اللبنانيين”.
ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها حيال التطورات الأخيرة، لجهة: لمصلحة مَن يُستهدف الجيش اللبناني في هذه الظروف الصعبة بالذات؟ وماذا يبقى للبنان في حال تعرض هذا الجيش لأي نكسة؟ وهل يُقابل مؤتمر دعم الجيش المزمع عقده قريبًا بحملة ضدّه في الداخل؟، أم أن ثمة أمر عمليات كان قد صدر لإحداث فتنة بين الجيش وشعبه لإعادة خلط الأوراق في لبنان والتي تسعى إليها أميركا خدمة لـ"إسرائيل"، وقد تطوع البعض لتنفيذها وفشل، فأراد أن يجعل من الجيش “فشة خلق” أو “كبش فداء”.
لا شك في أن كلّ من يستهدف الجيش اليوم يخدم العدوّ "الإسرائيلي" وكلّ من ينفخ في بوق الفتنة يخدمه أيضًا، وإذا كان الرئيسان عون وبري رسما خطًا أحمر، فإن موقفهما يحاكي كلّ مكونات الشعب اللبناني التي لن تصمت أمام هذا الارتجال من بعض هواة السياسة الذين قد يأخذون البلاد والعباد إلى ما لا تحمد عقباه.