فرح الهاشم/ كاتبة ومخرجة كويتية**
الروشة لم تكن بالنسبة إليّ مجرّد صخرة مطلّة على البحر، بل كانت نافذتي الأولى على بيروت.
ارتبطت في مخيّلتي بكازينو فريد الأطرش، برغيف كعك بالزعتر، وبالموج الذي كان يعانق الصخرة؛ كأنّه يعانق قلب المدينة.. ثم تحوّلت علاقتي بها مع فيلمي "ترويقة في بيروت".
في المشهد الأخير، كنت أنا والممثلة ناتاشا شوفاني، في قارب صغير نتقدّم نحو جوف الصخرة، نتحدث عن بيروت التي ما تزال تنبض في الموج والهواء. يومها صارت الصخرة جزءًا من هويتي، حجرًا محفورًا في ذاكرتي السينمائية وفي قلبي.
لكن علاقتي بالصخرة ذبلت مع الوقت. لم أعد أراها إلا من نافذة طائرة تغادر بيروت، وكأنها تلوّح لي بصمتها. في صيف العام ٢٠٢١؛ سكنتُ في فندق على الروشة لكنني ما لبثت أن هربت بعد ٤٨ ساعة، حين اكتشفت قبحًا سرق منّي جزءًا من جمال الروشة: فندق رخيص للجنس، مطرود من أبوابه الحب: ومصادرة الحرية فيه باسم وهمٍ سخيف. منذ ذلك الحين صارت الروشة بالنسبة إليّ مرادفًا للرائحة الثقيلة للأرجيلة وللمقاهي الباهظة التي تغلق البحر عن الناس، وللعمارات الباردة التي سرقت الموج، وباعت الشرفات بملايين الدولارات.
غير أنّ يوم الأمس*** كان مختلفًا. شعرت أنّ الروشة غُسلت من ذنوبها، وكأنها تعمّدت من جديد. رأيت الأقدام القادمة من الجنوب والضاحية وأهل بيروت يملأون المكان، والأعلام ترتفع: علم لبنان، علم المقاومة، صور الشهداء، وجه السيد حسن نصرالله، وظلّ رفيق الحريري.. فجأة أحسست كما لو أنني في قدّاسٍ كنسي، وكأنّ هذه الأرض نالت معموديتها الثانية.
الروشة لم تعد صخرة بعيدة، بل عادت قلبًا نابضًا من قلوب بيروت. بيروت الثمانينيات، بيروت المقاومة، بيروت التي لا تموت.
*** يوم إضاءة صخرة الروشة بصورة الشهيد الأسمى السيد حسن نصرالله.
** نقلًا عن حسابها في الفايسبوك