حسين كوراني/ موقع "أوراق"
أمام أعين العالم؛ يتعرض أهل قطاع غزّة لأكبر مذبحة ومجاعة جماعية في التاريخ. ومع إصرار الكيان الصهيوني محاصرة الغزاويين وتهجيرهم واستعمال ممارسات لا تمت إلى الشرائع الدولية والإنسانية بصلة، تحرك أسطول الصمود لكسر الحصار على غزّة، والذي انطلق من شواطئ إسبانيا وإيطاليا منذ نحو 37 يومًا لإدخال حليب الأطفال ومياه الشرب والمواد الغذائية والأدوية، وكثير من الحاجيات الأساسية إلى أبناء غزّة، فتعرضت له قوات العدوّ واعتقلت معظم الناشطين فيه.
مع أن أسطول كسر الحصار على غزّة ضم أكثر من 47 دولة، معظمها من أوروبا، إلا أن "إسرائيل" كعادتها لم تقم وزنًا لهذا التحرك الإنساني لعنجهيتها وغطرستها، والذي رأت بداية أنه ينتهي مع انتهاء التقاط الصور التذكارية للناشطين الذين يرافقونه، أو عندما تنتهي حفلة العلاقات العامة والتعارف والشهرة التي يرغبون بها، كما وصفتهم.
بالفعل تعرض الأسطول منذ انطلاقته لعمليات إرهابية، بدأت أولها قبالة سواحل تونس بهدف توجيه رسالة مفادها أن الأسطول ممنوع عليه أن يكمل إبحاره باتّجاه غزّة. لكن ذلك لم يثن الناشطون عن متابعة الإبحار غير آبهين بكلّ التهديدات، وصولًا إلى يوم أمس الأربعاء (1 تشرين الأول 2025)، حين أعلن أحد الناشطين في الأسطول أنه بات على بعد أميال من غزّة ومن كسر الحصار المفروض عليها.
لكن حكومة العدوّ فوجئت بأن الناشطين على السفن قد اتّخذوا قرارًا بالوصول إلى غزّة مهما كانت التضحيات، ومهما بلغت الصعوبات، وبأن هذا الأسطول لديه مهمّة أساسية هي الوصول إلى غزّة وإيصال ما يحمله إلى أهلها المتروكين وقدرهم، إلى الأطفال والنساء والشيوخ الذين تركهم العرب يواجهون صواريخ الطائرات وقذائف المدافع بصدورهم العارية وبطونهم الخاوية.
كعادتها، حاولت "إسرائيل" التحايل على الأسطول وأجرت سلسلة اتّصالات معه في محاولة لثنيه عن الدخول إلى قطاع غزّة، لكنّها فشلت في ذلك، فقدمت وزارة خارجيتها اقتراحًا بأن يدخل الأسطول إلى عسقلان، ويتولى جيش الاحتلال الإسرائيلي إدخال كميات المساعدات الموجودة على متنه إلى غزّة، لكن الناشطون رفضوا وأكدوا أن وجهتهم هي غزّة، وليس أي مكان آخر.
بعد أن لاقت "إسرائيل" رفضًا من أسطول كسر الحصار، استهدفت أكبر سفنه بمسيّرة بهدف إغراقها، كما استخدمت مدافع المياه لإعاقة تقدمه، فضلًا عن ممارسة أعمال القرصنة لعشرات السفن المشاركة، والقيام بعمليات خطف لعدد كبير من الناشطين، من برلمانيين وحقوقيين وأطباء من دول إيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان وألمانيا وإيرلندا وغيرها، ونقلهم إلى ميناء أسدود في فلسطين المحتلة.
نتيجة لهذا العمل غير القانوني؛ كما عدّه منظمو الأسطول، وطالبوا بالتدخل الدولي الفوري وضمان سلامة المتطوعين في الأسطول وإطلاق سراحهم فورًا، والذين تجاوز عددهم 443 متطوعًا من 47 دولة. وأشاروا إلى أن اعتراض قافلة الصمود في المياه الدولية جريمة حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي. وفي رد فعل على ما حصل من عدوان إرهابي جديد قامت به "إسرائيل" ضدّ الأسطول، انتفضت بعض الشعوب الأووربية، حيث عمت التحركات الاحتجاجية أكثرية دول العالم مطالبة بمحاسبة كيان العدوّ على فعلته وعلى استمراره في هذا التعنت البربري ضدّ إدخال الطعام والدواء إلى أهل غزّة.
كذلك من المتوقع أن تستمر هذه التظاهرات وتتفاعل لتطالب بقطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع "إسرائيل" وبطرد السفراء أو بتجميد أعمالهم لمدة معينة، أو العمل على خطف بعض الدبلوماسيين الإسرائيليين بهدف مبادلتهم بالمختطفين من ناشطي أسطول كسر الحصار. وبالفعل طردت كولمبيا أفراد البعثة "الإسرائيلية" من أراضيها. وفي هذا السياق، طالبت لجنة حماية الصحفيين العالمية "إسرائيل" بـ"الإفراج الفوري وغير المشروط عن أفراد سفن أسطول الصمود، وبينهم 32 صحفيًا". كما أعلنت وسائل إعلام تركية بأن أكثر من 45 سفينة مدنية تركية تنطلق للإبحار نحو غزّة ردًا على اعتراض "إسرائيل" لـ"أسطول الصمود".
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده المنظمون، يوم الأربعاء الفائت، قالت فرانشيسكا ألبانيزي المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة إن أي اعتراض للأسطول "سيشكّل انتهاكًا جديدا للقانون الدولي وقانون البحار"، مؤكدة أن "إسرائيل" لا تملك ولاية قانونية على المياه قبالة غزّة.
يُذكر أنه في العام 2010، قُتل تسعة ناشطين بعدما صعد جنود إسرائيليون على متن أسطول مكوّن من ست سفن كانت تقل نحو 700 ناشط مؤيد للفلسطينيين من 50 دولة. كل ذلك يؤكد أن الكيان الغاصب يتّجه إلى مزيد من العزلة الدولية وإلى مزيد من الادانات الدولية على ما يرتكبه من مجازر، وما مقاطعة خطاب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام، إلا خير دليل على ذلك.