أوراق ثقافية

بلجيكا تلغي حفلًا لفرقة «ديستربد» تضامنًا مع غزة

post-img

في موقف لافت يعكس اتساع نطاق التضامن الأوروبي مع الشعب الفلسطيني، ألغت بلدية فورست في العاصمة البلجيكية بروكسل حفلًا موسيقيًا لفرقة الميتال الأمريكية الشهيرة «ديستربد» كان من المقرر إقامته في الخامس عشر من الشهر الجاري، وذلك بسبب ما وصفته السلطات بـ»مخاوف أمنية» تتعلق بالمواقف السياسية للمغني الرئيسي في الفرقة دافيد درايمان، الذي يُعرف بتأييده الصريح للكيان الإسرائيلي.

ذكرت صحيفة «دي ستاندرد» البلجيكية أن السلطات المحلية أصدرت أمرًا رسميًا بإلغاء الحفل الذي كان سيُقام في قاعة «فورست ناسيونال»، بناءً على تقييم أمني سلبي من الشرطة، التي حذرت من إمكانية وقوع اضطرابات واحتجاجات واسعة اعتراضًا على مواقف المغني المؤيدة لإسرائيل. وقال شارل سبابينس، عمدة بلدية فورست، في بيان رسمي: «نظرًا لحساسية الموقع ورأي الشرطة السلبي، كان من واجبي اتخاذ هذا القرار. مسؤوليتي الأولى هي حماية السكان والجيران والجمهور والموظفين».

وأضاف العمدة أن القرار لم يكن فنيًا أو تنظيميًا فحسب، بل أخلاقيًا أيضًا، في ظل المواقف العدائية التي عبّر عنها المغني تجاه الفلسطينيين.

أشارت تقارير محلية إلى أن نقابات ومنظمات بلجيكية كانت تستعد لتنظيم تظاهرات أمام موقع الحفل، احتجاجًا على تصريحات درايمان ودعمه لجرائم الاحتلال في غزة، وهو ما اعتبرته الشرطة «تهديدًا محتملًا للأمن العام». ولم تُصدر فرقة «ديستربد» حتى الآن أي تعليق رسمي على قرار الإلغاء، بينما نقلت وسائل إعلام أوروبية أن شركات الإنتاج المنظّمة للجولة الموسيقية تدرس حاليًا خيارات بديلة لإقامة الحفلات في دول أخرى، رغم تزايد القيود على الفنانين المؤيدين لإسرائيل في أكثر من بلد أوروبي.

كان عمدة فورست قد صرّح في وقت سابق لصحيفة «ذي بروكسل تايمز» أنه حاول منذ البداية إلغاء الحفل، واصفًا حضور درايمان بأنه «مشكلة أخلاقية»، قائلًا: «هذا رجل وقّع على قذيفة أُطلقت على غزة. نحن لا نرحب بمثل هذه المواقف، ولا يمكن أن نغض الطرف عنها».

يُذكر أن دافيد درايمان، وهو من أصول يهودية، أثار غضبًا واسعًا العام الماضي عندما نشر صورة له من قاعدة عسكرية إسرائيلية قرب حدود غزة، وهو يوقّع على قذيفة كُتب عليها رسالة دعم للجيش الإسرائيلي. وبعد موجة انتقادات غاضبة، كتب على حسابه: «نعم، وقّعت على قذيفة واحدة، وأنا أعي ما فعلت وسأكرره. الادعاء بأنها قتلت أطفالًا أو مدنيين أمر سخيف».

يأتي قرار الإلغاء في وقتٍ تشهد فيه أوروبا موجة من المقاطعة الثقافية للفنانين الذين يدعمون الاحتلال الإسرائيلي أو يبررون العدوان على الشعب الفلسطيني. فقد سبق أن ألغيت حفلات وعروض مشابهة في كلٍّ من إسبانيا، وإيرلندا، والنرويج، وألمانيا بسبب المواقف السياسية لمغنيين وفرق موسيقية عبّروا عن انحيازهم لإسرائيل خلال عدوانها المستمر على غزة.

تزامن القرار البلجيكي مع تحركات رسمية أوروبية داعمة لفلسطين، إذ انضمت بلجيكا مؤخرًا إلى مجموعة الدول التي اعترفت رسميًا بدولة فلسطين، وفرضت في الوقت نفسه اثنتي عشرة عقوبة على إسرائيل شملت تقليص التعاون العسكري والتجاري. كما وصفت الحكومة البلجيكية ما يحدث في غزة بأنه «مأساة إنسانية غير مقبولة».

تُعد فرقة «ديستربد» من أشهر فرق الميتال في العالم، وتقوم حاليًا بجولة أوروبية احتفالًا بمرور 25 عامًا على إصدار ألبومها الأول «ذي سيكنس»، إلا أن هذه الجولة تواجه عراقيل متزايدة مع تصاعد موجة الرفض الشعبي في أوروبا لأي شكل من أشكال التطبيع الثقافي مع الاحتلال.

ولا يعد إلغاء الحفل في بروكسل حدثًا فنيًا عابرًا، بل يعكس تغيّرًا عميقًا في الوعي الأوروبي تجاه ما يجري في غزة، وتنامي الشعور بالمسؤولية الأخلاقية لدى المؤسسات الثقافية والفنية التي لم تعد تفصل بين الفن والقيم الإنسانية. فالفن، كما يؤكد كثير من النقاد الأوروبيين، لا يمكن أن يكون أداة لتلميع وجوه تبرر القتل أو تتغنى بآلة الحرب، خصوصًا في زمنٍ تتكشف فيه فظائع الاحتلال يومًا بعد يوم.

يبدو أن بلجيكا بهذا القرار انضمت إلى ركب الأصوات الأوروبية الحرة التي ترفض التواطؤ مع من يبرر الإبادة في غزة، مؤكدة أن الثقافة يجب أن تبقى في صف العدالة والإنسانية، لا في صف القتلة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد