أوراق سياسية

الاتفاق يُترجم اليوم: غدرُ العدوّ مستمر.. وهدية لترامب في شرم الشيخ!.. 

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)
  
إذا لم يحصل ما يعيق تنفيذ بنود الاتفاق، يُفترض أن تقوم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” صباح اليوم الاثنين بتسليم 22 أسيرا إسرائيليا أحياء دفعة واحدة مع عدد من جثث الأسرى الأموات، على أن تسلم باقي الجثث في أوقات لاحقة للتفتيش عنهم وسحبهم بعدما أدى القصف الصهيوني الوحشي إلى تغيير معالم كلّ شوارع غزّة، ما يتطلب وقتا لإيجاد مكان دفن هذه الجثث تمهيدًا لتسليمها، وهذا ربما يعطي حماس ورقة ضغط على "إسرائيل" للالتزام ببنود هذا الاتفاق.

مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فلسطين المحتلة لإلقاء كلمة أمام "الكنيست" الصهيوني تكون عملية إطلاق سراح الأسرى قد تمت، حيث سيسعى إلى الاستفادة منها لإظهار نفسه بطلا للسلام بالرغم من حرمانه من جائزة نوبل، وليؤكد للمجتمع الأميركي الذي عبّر مرارا وتكرارا عن غضبه من سلوكه، أنه يعمل على تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي تضمن وقف الحروب في المنطقة.

ويشكّل خطاب ترامب في "الكنيست" "الإسرائيلي"  محاولة لرفع العزلة عن "إسرائيل"، التي سقطت كلّ أقنعتها خلال حرب السنتين على غزّة وظهرت عنصريتها ووحشيتها ودمويتها التي رفضها الرأي العالمي على مساحة الكرة الأرضية، وتمثل بنبذ الإسرائيليين والدعوات لمحاكمة نتنياهو، وبالاحتجاجات التي اجتاحت ساحات وميادين كلّ الدول مطالبة بوقف الحرب وإنقاذ غزّة، وقد جاء اعتراف أكثر من 150 دولة بالدولة الفلسطينية كردة فعل بعدما تحولت فلسطين من قضية عربية منسية إلى قضية استوطنت وجدان العالم بأكمله.

كما يأتي خطاب ترامب ليوفر بعضا من الدعم لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي قد يتعاطى مع غزّة على غرار تعاطيه مع لبنان باعتداءات متواصلة أو قد يفتح جبهة جديدة لإقناع المجتمع "الإسرائيلي"  بأن الحرب لم تنته، للهروب من المحاسبة والعقاب ومن انقضاض المعارضة بقيادة يائير لابيد عليه، من المجتمع "الإسرائيلي"  على الاخفاق العسكري والأمني والسياسي في السابع من أكتوبر، وعلى وضع الكيان في عزلة عالمية، وعلى خوض حرب لا أفق لها في غزّة حيث كان بوسع نتنياهو أن يبرم سلسلة اتفاقات قبل أن يتقلص عدد الأسرى الأحياء إلى 22 أسيرا، خصوصًا أنه لم يحقق أي إنجاز في هذا الإطار، حيث لم يقض على المقاومة ولم يحرر الأسرى بالقوّة ولم يهجّر الفلسطينين من أرضهم، وها هو اليوم بعد سنتين يوقع على اتفاق مع حماس التي صمدت، ويبادل الأسرى بنحو ألفيّ معتقل ومحكوم فلسطيني، ويوافق على إدخال المساعدات والانسحاب من قطاع غزّة بما يساهم في تثبيت أبنائها في أرضهم.

أما القمة التي تعقد في شرم الشيخ تحت عنوان: “السلام”، فيبدو أنها قمة شكلية وهي لن تقدم أو تؤخر شيئًا في الاتفاق الذي سيدخل حيز التنفيذ قبل إنعقادها، وإنما تأتي كهدية لترامب تأكيدا على أنه أوقف الحرب في غزّة وحقق الإنجاز الذي لم يستطع سلفه جو بايدن تحقيقه، كما أنها لن تستطيع أن تفرض السلام مع أي "إسرائيل" أو الدفع نحو التطبيع خصوصًا أن هناك مواقف عربية عدة معلنة في قمم ومناسبات كثيرة وهي أن لا تطبيع مع العدوّ "الإسرائيلي"  قبل إعطاء الفلسطينيين حقهم بما يعني حل الدولتين.

كذلك، فإن العقد الإقليمي لن يكتمل في القمة بغياب إيران التي لن تشارك بالرغم من توجيه الدعوة إليها، وذلك بحسب المعلومات بسبب طبيعة القمة والجهات الراعية لها، وتأكيدا من إيران على تمسكها بمحور المقاومة وعدم استعدادها لتقديم هدايا مجانية إلى الرئيس الأميركي أو غيره.

وكان لافتًا محاولة "إسرائيل" منع حضور السلطة الفلسطينية إلى القمة، وذلك في إشارة واضحة إلى أن نتنياهو بدعم من ترامب يريد أن يلغي كلّ ما يتعلق بفلسطين، وحتّى الآن ما تزال المشاركة الفلسطينية غير مؤكدة، بالرغم من مساعي مصر لفرض حضور الرئيس محمود عباس في هذه القمة التي لا يمكن أن تعقد من أجل فلسطين ولا تكون السلطة ممثلة فيها.

وتأتي المشاركة التركية على قدر كبير من الأهمية، خصوصًا أنها تمارس دور المراقب والمساند في الوقت نفسه لفلسطين، وهي قادرة على فرض وجودها انطلاقًا من قوتها العسكرية والبشرية وعمقها الإسلامي، وهي اليوم تتحرك في المنطقة سواء في سورية أو في غزّة، وحضورها يشكّل مبعث أمان للمقاومة الفلسطينية.

في غضون ذلك، لم ينته الغدر "الإسرائيلي"  في غزّة بعد انسحابه من المناطق الأساسية، من خلال تحريك العصابات التي كانت تتعامل مع الكيان الصهيوني خلال الحرب، بهدف ضرب الأمن والاستقرار بعد وقف إطلاق النار، وهي قتلت أمس الصحافي الشهيد صالح الجعفراوي بعد خطفه وتعذيبه وإطلاق سبع رصاصات على أنحاء متفرقة من جسده، وتشير المعلومات إلى أن القوى الأمنية المولجة بحفظ الأمن في غزّة تلاحق هذه العصابات وكلّ  من تعامل مع العدوّ وتآمر معه على بلده وعلى شعبه!..
 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد