حسين كوراني/ موقع "أوراق"
صعّد العدوّ "الإسرائيلي" اعتداءاته على جنوب لبنان، في الليلة الماضية، حيث شنّت طائراته الحربية سلسلة غارات عنيفة على مناطق في الجنوب والبقاع وصفت بالأعنف منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، ما أعاد هاجس الحرب إلى المشهد من جديد. ويبدو أن "إسرائيل" بدأت تستبق خياراتها بتوجيهها رسالة مكتملة الأركان عنوانها "السلام بالقوّة"، بحسب اعتقادها.
سبق الغارات الثلاثين، والتي شنتها الطائرات الحربية "الإسرائيلية" في ليل 16 تشرين الأول 2025، اجتماع لجنة "الميكانيزم" بيوم واحد. وقد طال العدوان الإسرائيلي قلعة "ميس" بين أنصار والزرارية ومنشآت لـ"شركة المجابل العاملية" لصناعة الإسمنت وكسارة في جانبها، الواقعتَيْن في وادي مزرعة بصفور بين بلدتَي أنصار وسيناي، وبلدتي بعنفول والمحمودية ومنطقة الجبور في الجنوب، وعلى مدينة شمسطار في البقاع الأوسط، وأدت إلى سقوط شهيد وسبعة جرحى.
مصادر متابعة، علقت على الغارات العنيفة بأنها لا تُقرأ في سياق مواجهة عسكرية ميدانية، بل في ضوء المشهد الإقليمي الأوسع، حيث تستخدم لغة النار لتسريع التفاوض وفرض توزان جديد. والرسالة واضحة: "مرحلة السلام بالقوّة بدأت، وعلى لبنان أن يحدد موقعه منها، والإسراع بحصر السلاح والانفتاح على التسويات الحاصلة".
كما رأى عدد من المراقبين أنّ الاعتداءات "الإسرائيلية" المتكرّرة، والتي تتصاعد حينًا وتتراجع حينًا آخر هي لزوم إبقاء لبنان تحت الضغط، والأرجح انّها ستظل ضمن السياق الحالي، وتاليًا سيبقى الوضع اللبناني حتّى إشعار آخر بين حدّين لا حرب ولا سلام". ومن الممكن أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدًا من الضغط الأميركي على لبنان في اتّجاه تحريك مسار التفاوض، ولو بطابع مباشر وأرفع مستوى.
في المقابل، رأى مصدر قريب من المقاومة أن المشهد الحالي يقرأ على أن "إسرائيل" العالقة في حروبها العبثية على دول المنطقة تُسَرّع تراجعها واستسلامها، خاصة أن هذه الغارات تستهدف أماكن مدنية هدفها الضغط على بيئة المقاومة التي تدعم حزب الله وترفض تسليم سلاحه. وهي غارات عبثية تدل على العدوّ "الإسرائيلي" المنحرج لعدم تحقيقه مبتغاه من فرض معادلاته لا بالسياسة ولا بالقوّة.
في غياب تام للديبلوماسية الأميركية عن "السمع"، رأى عدد من المحللين أن "إسرائيل" ردت ميدانيًّا على إعلان رئيس الجمهورية جوزاف عون استعداد لبنان لإطلاق مسار تفاوضي يفضي إلى تسوية وفقًأ لنموذج ترسيم الحدود البحرية، بغارات جوية مكثفة بقاعًا وجنوبًا، في تصعيد لا يحمل أي دلالة عسكرية أو أمنية، بل يحمل في طياته "رسائل" سياسية واضحة لناحية رفض أي تغيير في الإستراتيجية "الإسرائيلية" حيال الساحة اللبنانية، من خلال الإصرار على استخدام القوّة والمزيد من القوّة لفرض أمر واقع على الأرض من دون الحاجة إلى فتح قنوات تفاوضية.
ما تريده حكومة بنيامين نتنياهو بات واضحًا وغير قابل للتغيير، المطلوب من لبنان تنفيذ شروط "استسلام" واستكمال مهمّة نزع سلاح حزب الله من دون أي مقابل أو ضمانات، وهو أمر لن يتغير إذا لم تقدم واشنطن على ممارسة ضغط جدي لتعديل المسار الحالي. ولا تبدو إدارة ترامب مهتمة راهنًا بذلك، بل ما تزال مصرة على اعتماد سياسية "التطنيش" للمسار اللبناني، منذ القرار الحكومي الأخير في الخامس من أيلول الماضي.
كما شجب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الاعتداءات "الإسرائيلية"؛ ورأى أن: "العدوان الإسرائيلي المتكرّر يأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنى الإنتاجية وعرقلة التعافي الاقتصادي واستهداف الاستقرار الوطني تحت ذرائع أمنية زائفة، وأن هذا السلوك التصعيدي يُشكّل خرقًا جسيمًا للقرار 1701 وللاتفاق على وقف الأعمال العدائية للعام 2024".