اوراق خاصة

يحاولون إعادة إحياء اتفاق 17 أيار مع العدو في لبنان .. والتاريخ لن يعيد نفسه

post-img

حسين كوراني/ موقع "أوراق

تطالعنا، في هذه الأيام، بعض وسائل الإعلام عن نيّة إقامة "إسرائيل" مفاوضات مباشرة مع لبنان هدفها غير المعلن التطبيع بين الجانبين، على شاكلة المفاوضات التي جرت بينهما إبان اتفاق 17 أيار 1983 المشؤوم، حتّى بات العدوّ "الإسرائيلي"  يسّوق للفكرة وبدعم أميركي محاولًا الإفادة من نتائج العدوان الأخير الذي شنّه على لبنان في أيلول 2024، متناسيًا كيف أسقط الشعب اللبناني "اتفاق العار" قبل أكثر من أربعين سنة.

الطرح "الإسرائيلي" قابله لبنان بموقف رافض وموحد، إذ دعا رئيس الجمهورية جوزف عون إلى مفاوضات غير مباشرة مع العدو، وشدد رئيس الحكومة نواف سلام على أهمية تجاوب الإدارة الأميركية مع المبادرة التي أطلقها عون "لفتح ثغرة يمكن التأسيس عليها لتطبيق القرار الدولي 1701"، في حين رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري أن التفاوض مع العدوّ خط أحمر. ولبنان يعرف جيدًا أن "إسرائيل" تريد جرّه إلى مفاوضات مباشرة، ليس على المستوى الأمني، بل بمستوى سياسي معيّن، وصولًا إلى التطبيع معه، وهو ما يرفضه لبنان بصورة قاطعة.

الحكومة اللبنانية أجمعت على أن هدف التفاوض غير المباشر مع العدوّ هدفه الزامه بتطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي أُبرم برعاية أميركية في 27 تشرين الثاني 2024، مع رفض لبنان الرسمي وحزب الله التفاوض تحت ضغط النار؛ حيث رفع جيش الاحتلال، في الآونة الأخيرة، من وتيرة الضغوط على لبنان، أكان باستمرار الغارات والاغتيالات أو الاستهدافات العدوانية للمنشآت المدنية، أو بالمناورات العسكرية الواسعة التي بدأها بالقرب من الحدود مع لبنان.

كل ذلك يأتي في إطار الضغط لسحب سلاح حزب الله، ومنع إعادة إعمار القرى والبلدات المهدّمة، وقد يبدو تمهيدًا لما هو أخطر، حيث لا يُستبعد أن تكون في خلفية العمليات العدوانية "الإسرائيلية" محاولة فرض ظروف في المنطقة الجنوبية تمكّنها من فرض ما تسمّيها "المنطقة العازلة"، وهذا معناه فتح الباب على المواجهة من جديد.

لكن العدوّ "الإسرائيلي" على الرغم من محاولاته البائسة كلها لثني الشعب اللبناني، وخاصة بيئة المقاومة على الرضوخ لإملاءاته، لم يتعلّم بعد من الماضي حين انتفض هذا الشعب وأسقط اتفاق 17 أيار المُذل، ما شكل هزيمة دبلوماسية لـ"إسرائيل"، وفشل للدور الأميركي في لبنان.

كيف أُسقط اتفاق 17 أيار

في 17 أيار 1983 أي قبل 42 عامًا، وقع بين الحكومة اللبنانية و"إسرائيل" اتفاق إذعان عُرف باسم "اتفاق 17 أيار"، لكن ذلك الاتفاق أُلغي قبل المصادقة عليه بعد أقل من عام.

جاء الاتفاق في ظروف الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح "الإسرائيلي" للبلاد وحصار بيروت في العام 1982، على الرغم من ذلك لاقى اللبنانيون ذلك الاتفاق بالرفض الشديد ووصفوه بالعار. إذ لم يكن ممكنًا إسقاطه لولا وقوف قادة على امتداد لبنان، سواء جبهة الخلاص الوطني أم الحركة الوطنية أم وقفة النواب الوطنيين في البرلمان اللبناني الذين عارضوه بشدة. يومها صرّح الرئيس بري من أمام قصر بعبدا بأن هذا الاتفاق "ولد ميتًا"، أما الرئيس السوري حافظ الأسد قال: "إن هذا الاتفاق لن يمر".

بعدها توالت الأحداث، ولم يكن ممكنًا كذلك أن يسقط هذا الاتفاق لولا الضغط الشعبي الهائل الذي عمّ العديد من المناطق اللبنانية، والتظاهرة الكبرى التي انطلقت من مسجد بئر العبد في ضاحية بيروت الجنوبية بدعوة من تجمع العلماء المسلمين والقوى الشعبية المعارضة للاتفاق، رافعة شعار "فليسقط اتفاق الذل اتفاق 17 أيار". فتصدّى لها الجيش الفئوي يومها وأطلق النار مباشرة على المتظاهرين العزّل، ما أدى إلى استشهاد الشاب محمد نجدي وجرح عدد آخر، واندلعت على إثر هذه المواجهة تظاهرات شعبية في المناطق اللبنانية كافة، مترافقة مع تحركات عسكرية على بعض المحاور، خاصة من شباب حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط.

هذا فضلا عن خطبة العيد التي ألقاها المفتي الراحل الشهيد الشيخ حسن خالد والخطب الأسبوعية للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والخطب النارية للشيخ الراحل عبد الحفيظ قاسم رئيس اتحاد العلماء المسلمين والشيخ ماهر حمود ولقاء القوى الوطنية والإسلامية في صيدا، وعلى رأسها النائب الشهيد مصطفى سعد، ومواقف اتحاد علماء جبل عامل برئاسة الشيخ الراحل عفيف النابلسي. بالإضافة إلى موقف الرئيس الراحل تقي الدين الصلح الذي رأى  أن: "الاتفاق تنكرًا لدور لبنان ورسالته العربية والإنسانية وللميثاق الوطني الذي قام الاستقلال على أساسه"، مؤكدًا دور المقاومة في دحر الاحتلال.

كما شهدت المرحلى التي تلت الاتفاق تصاعدًا لوتيرة استهداف القوات "الإسرائيلية" والأجنبية داخل لبنان، حيث اقتحم استشهاديين اثنين بشاحنتين في 23 تشرين الأول 1983 مبنيّين في غرب بيروت كانا يأويان جنودًا أميركيين وفرنسيين، أسفر عن مقتل 307 عسكريين و241 أميركيًا و58 فرنسيًا. وتحت ضغط الرفض الشعبي؛ اتجه رئيس الجمهورية أمين الجميل، والذي وقع الاتفاق، إلى إعلان إلغائه، فعدت الحكومة اللبنانية ومجلس النواب اللبناني هذا الاتفاق باطلًا، فقاموا بإلغائه في 5 آذار 1984. وذلك بعدما أدرك رجال الحكم في لبنان استحالة تنفيذه نتيجة للانتصار الذي حققته المعارضة في الجبل والضاحية الجنوبية، ونتيجة لتصاعد أعمال المقاومتين الإسلامية والوطنية ونتيجة لمعارضة سورية المطلقة له.‏

في المحصلة، شكّل اتفاق 17 أيار وصمة عار على جبين من تعامل مع العدو، وفي الوقت ذاته خرج من الشعب اللبناني فتية آمنوا بريهم ووطنهم وأطلقوا شرارة المقاومة التي شكّلت البداية لخوض حرب استنزاف ظفرت بتحرير أرض الوطن في الجنوب والبقاع الغربي في العام 2000، وهذا الشعب اليوم حاضر أن يسقط أي مفاوضات مع العدوّ غايتها ارتماء لبنان بأحضان "إسرائيل".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد