هل يكفي الموقف اللبناني الرسمي الموحّد، الجازم بعدم إمكانية الدخول حاليًّا في مفاوضات مباشرة مع العدوّ ال"إسرائيلي"، لدفع الولايات المتحدة لتغيير مقاربتها، أم سيكون الثمن مواجهة عسكرية كما هدّد المبعوث الأميركي توماس برّاك؟
برز هذا السؤال في حلقة من علامات الاستفهام التي لا تتوقف، في ما يبدو أنّ أحدًا غير قادر على تقديم أجوبة مؤكّدة في ظل انعدام أي تطمينات خارجية، وحشر لبنان في زاوية تضطره إلى الاختيار بين القبول بما يُفرض عليه أو مواجهة "الجحيم" على غرار ما حصل في غزّة. في ما لوحظ أن العدوّ تعمّد منذ مساء أول من أمس، في ظل الاتّصالات المحلية والخارجية، توسيع دائرة عمل طيرانه الاستطلاعي، إذ واصلت نحو خمس طائرات حتّى ليل أمس التحليق فوق بيروت والضاحية والقصر الجمهوري، في ما اعتُبر رسالة تهديد جديدة.
وكان لافتًا أمس، أن رئيس مجلس النواب نبيه بري تعمّد حسم التأويلات التي اجتاحت المشهد السياسي حول الموقف اللبناني من المفاوضات، معلنًا سقوط المسار المُقترح للتفاوض، ومؤكدًا أن "الميكانيزم" هو الخيار الوحيد. وفي حديثه إلى "الشرق الأوسط"، ردّ بري على كلّ ما أثير بشأن المقترحات الأميركية وتعاطي لبنان معها، موضحًا أن "تل أبيب رفضت مبادرة أميركية كانت تقضي بوقف مؤقّت للعمليات تمهيدًا لانسحاب وترتيبات حدودية"، مؤكّدًا أن "المسار الوحيد راهنًا هو مسار الميكانيزم، وهي الآلية التي تضم ممثلين للدول المعنية والراعية لاتفاق وقف العمليات العدائية الذي أنهى حرب لبنان الأخيرة في تشرين الثاني الماضي".
وجاء موقف بري عقب لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون، حيث تصدّرت الأوضاع الأمنية في الجنوب وملف التفاوض جدول البحث. واكتفى بري بعد الاجتماع بالقول: "اللقاءات دائمًا ممتازة مع فخامة الرئيس"، موضحًا أن "الموفد الأميركي توماس برّاك أبلغ الجانب اللبناني رسميًا رفض "إسرائيل" لمقترح أميركي يهدف إلى إطلاق مسار تفاوضي يبدأ بوقف العمليات لمدة شهرين، وينتهي بانسحاب "إسرائيلي" من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإطلاق مسار لترسيم الحدود مع ترتيبات أمنية".
وأضاف: "تمّ التراجع عن أيّ مسارٍ للتفاوض مع "إسرائيل"، ولم يبقَ سوى الآلية المتّبعة عبر لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المُسماة الميكانيزم"، كاشفًا عن تطوّر مهم في عمل اللجنة، إذ "باتت تجتمع كلّ أسبوعين، خلافًا للمسار السابق الذي اتّسم باجتماعات متقطّعة ومتباعدة". وأكّد بري تمسّك لبنان باتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه في تشرين الثاني 2024، وهو الاتفاق الذي تشرف لجنة الميكانيزم على تنفيذه، مشدّدًا على أن هذه الآلية هي المُعتمدة حاليًّا "ولا شيء سواها". وعند سؤاله عن مدى تفاؤله، أجاب بري: "أنا متشائل".
وقال مطّلعون على الاجتماع بين عون وبري، إن النقاش تمحور حول ملف التفاوض غير المباشر مع "إسرائيل"، استنادًا إلى ما سبق أن طرحه رئيس الجمهورية، مشيرين إلى أن "الموقف اللبناني أيّد مبدأ التفاوض، لكنّ النقاش دار حول الشكل والآلية". وأضافوا أن المشكلة التي يواجهها لبنان تكمن في الموقف "الإسرائيلي" المدعوم أميركيًا، والذي يفرض على لبنان صيغة واحدة للتفاوض، هي التفاوض المباشر وفق شروط "إسرائيل"، باعتبارها الطرف المنتصر في الحرب، أو مواجهة الضغوط التي قد يتعرّض لها لبنان على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية وربما العسكرية.
وبحسب معلومات "الأخبار"، لم تصل إلى لبنان أي رسائل جديدة بعد نقل الجواب ال"إسرائيلي"، لكنّ هناك عملًا جديًا على ضرورة توحيد الموقف اللبناني، خصوصًا بعد أن رفض رئيس الحكومة نواف سلام عقد اجتماع ثلاثي لهذا الهدف، متذرّعًا بخشيته من العودة إلى الترويكا، على أن يُستكمل النقاش عبر الموفدين بين الرؤساء الثلاثة، للوصول إلى صياغة موحّدة قبيل جلسة الحكومة الخميس، والتي قد تُعقد في قصر بعبدا.
وفي الوقت ذاته، تصعّد الولايات المتحدة وتيرة الضغط على لبنان، وهو ما ترجمه كلام الموفد الأميركي توماس برّاك أمس، في أوضح تهديد، حين قال: "إذا فشلت بيروت في التحرك، فإن الذراع العسكرية لحزب الله ستواجه حتمًا مواجهة كبيرة مع "إسرائيل" في لحظة قوة "إسرائيل" ونقطة ضعف حزب الله المدعوم من إيران". وأشار إلى ما اعتبره "وقت لبنان للعمل"، بالتزامن مع وصول السفير ميشال عيسى إلى بيروت الشهر المقبل، ووصف برّاك عيسى بأنه "سفير دونالد ترامب الجديد والموهوب للغاية، ويأتي لمساعدة لبنان على عبور هذه القضايا المعقّدة بثبات".
وفي موازاة الضغوط الأميركية، تتزايد وتيرة الضغط "الإسرائيلي" على لبنان، من خلال استمرار الغارات والاغتيالات، واستهداف المنشآت المدنية، بالإضافة إلى منع إعادة إعمار القرى والبلدات، فضلًا عن المناورات العسكرية الواسعة التي بدأها الجيش "الإسرائيلي" أول من أمس بالقرب من الحدود اللبنانية.