حسين كوراني / خاص موقع "أوراق"
بعد مرور قرابة السنة على معركة "أولي البأس" التي خاضها حزب الله مع قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، في جنوب لبنان، يقف المرء حائرًا أمام تلك المعركة التي استخدم فيها العدو أعنف الأسلحة الفتاكة، من طائرات حربية واستطلاعية وأحدث تكنولوجيا عالمية تعجز أقوى جيوش العالم عن مواجهتها. لكنّ رجال المقاومة صمدوا على مدى 66 يومًا على حافة القرى الأمامية مانعين القوات الغازية من التقدم مُوجهين إليها أعنف الضربات.
ما جرى في الأسبوع الأول من تلك الحرب، من دمار واستهداف لقدرات حزب الله التسليحية من مخازن السلاح ومنصات إطلاق الصواريخ، ومن اغتيال لقادته الكبار وعلى رأسهم أمينيه العامين سماحة السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، لم يكن حدثًا عاديًا.. إذ توقّعت قيادة العدو الإسرائيلي وجميع المراقبين والمحللين أن تنهار المقاومة بسرعة وترفع راية الاستسلام، وأن يصل جيش العدو خلال بضعة أيام الى نهر الليطاني كما خطّط لذلك.
لكنّ قادة الاحتلال ذُهلوا بشراسة المقاومين وثباتهم على كامل خطوط المواجهة من الناقورة الى شبعا، فبدلاً من أن تؤدي حملتهم العسكرية الى تحقيق أهدافها التي رسموها، عجزت عن تحقيق أيٍ منها.
بالفعل هذا ما حصل، وما إن أعلن العدوّ بدء هجومه البري في 30 أيلول 2024، حتى أطل نائب الأمين العام للحزب سماحة الشيخ نعيم قاسم، في اليوم ذاته، ليؤكد أن المقاومة ستصمد وتقاتل حتّى الرمق الأخير. وقال إن: "حزب الله جاهز للتصدي لأي توغل بري إسرائيلي، ونثق أن العدو لن يحقق أهدافه، وسنخرج منتصرين.. ولن نتزحزح عن مواقفنا في المواجهة.. سنواصل مسيرة السيد نصر الله والشهادة تعطينا القوّة، لذلك لا تراجع أمام ما يمكن عدّه خسارة في القاموس السياسي".
مع بدء الهجوم البري واستمرار المواجهة يومًا بعد يوم، بدأ العدو يتكشف أن حزب الله عمل على إعادة تشكيل هيكليته العسكرية، بشكل سريع منذ اليوم للحرب، وبحسب مصدر عسكري قيادي في الحزب، كان السيد نصرالله قد وضع خطة المقاومة العسكرية منذ بداية العدوان، وتواصل مع عدد من قادة المحاور طالبًا منهم الانتقال إلى محاور أخرى، وتنظيم صفوفهم تحسبًا لهجوم بري قادم.
هذا ما أكده الشيخ قاسم، إذ قال إنّ: "المصابُ جللٌ والتضحياتُ جِسام، لكنَ القدراتِ متينةٌ وكبيرةٌ والجهوزيةَ كاملة ، وليس من بابِ المعنويات، وإنما بالوقائعِ والخُططِ التي اَعَدَّها وحَضَّرَها سماحةُ الشهيد (السيد نصرالله)ِ".
كلام الشيخ قاسم تُرجم عمليًا وبسرعة في الميدان، حيث تمكّن رجال المقاومة من التكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة، واستخدموا أشكال مختلفة من التكتيكات العسكرية. وقد نقلت "القناة 12 العبرية": "مقتل 8 ضباط وجنود إسرائيليين من وحدة إيغوز، خلال المعارك الدائرة في جنوب لبنان"، وذلك في اليوم الأول من الهجوم البري.
بالفعل، أخطأ العدو في حساباته، إذ أدت شهادة السيد نصرالله إلى ثبات المقاومين في مواقعهم والقتال حتى الموت، هذا من جهة. ومن جهة ثانية؛ أخذ آلاف المقاتلين يتدافعون من جميع المناطق اللبنانية إلى قرى المواجهة لينالوا شرف الجهاد والدفاع عن أرضهم وشرف اللحاق بقائدهم المُفدّى. لقد خاض المقاومون في محاور الجنوب كلها، أعتى الملاحم البطولية، حيث وُجد شبانٌ كثيرون شهداء في حُفرهم والرصاص نافذُ من بنادقهم.
مع دخول الحرب شهرها الثاني، بدأت تتكشف مجريات الميدان أكثر فأكثر، حيث ظلت القوات الإسرائيلية عالقة على تخوم القرى الحدودية طوال 66 يومًا، تتعرض للكمائن والضربات القاتلة في الأودية والتلال، من دون أن تحرز أي تقدم يذكر على الأرض. ونتيجة لذلك، فرضت قيادة العدوّ تعمتيمًا إعلاميًا على أخبار هجومها بعد الخسائر التي منيت بها، وبعدما أيقنت أن المقاومة ما تزال في أوج قوتها، وهي من تسيطر على الأرض.
في الأسبوع الأخير من العدوان، أيقن العدو أن جميع أهدافه باتت صعبة المُنال، هذا في الوقت الذي أخذ حزب الله يستعيد فيه زمام المبادرة بسرعة على المستويات جميعها، فقد أطلق أكثر من 500 صاروخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، 3 منها استهدفت "تل أبيب".. وهكذا أرغم العدو على وقف إطلاق النار..
اليوم، بعد حوالي سنة على تلك الحرب الشرسة، تقف المقاومة على سلاحها متأهبة لمواجهة العدو للدفاع عن الوطن. وكما أعلن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم منذ أيام، بأن المقاومة خرجت من "معركة أولي البأس" منتصرة؛ لأنها منعت تحقيق أهداف العدو، وخرجت أقوى وأكثر عزيمة.