غسان ريفي (سفير الشمال)
ليس مستغربا أن تقوم المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس بمرافقة وزير الحرب "الإسرائيلي" يسرائيل كاتس بجولة على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأن تطلع على كيفية إعطائه الأوامر للجيش الصهيوني للاعتداء على الأراضي اللبنانية وقتل المواطنين، فهي سبق وشكرت "إسرائيل" وأشادت باعتداءاتها على لبنان وقتلها أبنائه من على أعلى منبر رسمي، وكذّبت من المنبر نفسه على السلطة السياسية مجتمعة بتعهدها في ١١ شباط الفائت باسم الرئيس دونالد ترامب بانسحاب جيش "إسرائيل" بشكل كامل في ١٨ منه وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤.
ما قامت به أورتاغوس له دلالات عدة أبرزها:
أولا: أن الأميركي ليس وسيطًا نزيها ولن يكون، وأنه ليس داعما فقط لـ"إسرائيل" بل مشاركا معها في عدوانها المستمر على لبنان.
ثانيا: أن أميركا لا تقيم وزنا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تجاوزت خروقات "إسرائيل" له أكثر من خمسة آلاف خرقا والحبل على الجرار، وبالتالي فإن كلّ الاجتماعات التي عقدت برعاية أميركية كانت لمجرد “ذر الرماد في العيون”.
ثالثًا: الضغط الذي تمارسه أميركا على لبنان بتغطية الاعتداءات ومنع الإعمار وتبني الموقف "الإسرائيلي" بالكامل، لدفعه إلى مفاوضات مباشرة مع العدوّ وتحت النار والقصف، بما يتسنى لل"إسرائيلي" فرض شروطه بما في ذلك المنطقة العازلة بعنوان اقتصادي، والبقاء في النقاط المحتلة لمراقبة الحدود والاستمرار في الخروقات كلما دعت حاجة "إسرائيل" لذلك.
رابعًا: عدم توفر ضمانات أميركية أو دولية للبنان تجاه "إسرائيل" التي لديها “غرين كارت” أميركي للقيام بكلّ ما يمكن أن يحقق مصلحتها.
خامسًا: أن لبنان يتعامل أو يتفاوض مع “صهاينة” تحت اسم “مبعوثين” يدخلون إلى لبنان بجوازات سفر أميركية، يهدّدون ويسيئون ويعيثون فسادا في السيادة والكرامة الوطنية على مرأى ومسمع “السياديين” الذين يبلعون ألسنتهم، ويدفنون رؤوسهم في التراب، كون لا رؤوس لديهم ترتفع في وجه أولياء الأمر.
سادسًا: التعاطي الأميركي مع لبنان كمهزوم عليه أن يستسلم ويقدم كلّ التنازلات من دون أي قيد أو شرط.
لا شك في أن ممارسات أورتاغوس على الحدود مع وزير الحرب ال"إسرائيلي"، يفتح ملف لجنة الميكانيزم التي ترأسها على مصراعيه، فهذه اللجنة التي تم تشكيلها بالتزامن مع اتفاق ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤، لمراقبة وقف إطلاق النار، وتلقي الشكاوى من "إسرائيل" في حال وجدت أي خطر يهدّدها، ومنع الخروقات من الجانبين، تحولت إلى شاهد زور على خروقات "إسرائيل"، وهي لم تحرك ساكنا تجاهها، ولم ينفع تعاقب الجنرالات الأميركية عليها وآخرهم جوزيف كيرفيلد الذي ترافقت جولته على الرؤساء الخميس الفائت مع تحليق المسيرات فوق المقرات الرسمية والاعتداءات على البقاع.
كذلك، فهي لم تقم بأي من المهام المطلوبة منها، بل تعمل اليوم على تغطية الاعتداءات "الإسرائيلية" وتقديم التبريرات لها، وجاء سلوك أورتاغوس ليزيد الطين بلة بمشاركة رئيسة الميكانيزم في إعطاء الأوامر لل"إسرائيلي" لقتل لبنانيين وقصف مناطق جنوبية، فأي لجنة وأي رعاية أميركية وأي مباحثات لوقف إطلاق النار وأي حق يمكن أن يُعطى إلى لبنان في ظل عجز حكومة نواف سلام عن وضع النقاط على الحروف، وبكاء وزير خارجيته يوسف رجي في أحضان الأميركي لمساعدته، واحتفاله تحت القصف "الإسرائيلي" بعيد اليونيفل، والاكتفاء بالعنتريات والهوبرات والاستقواء وكلها أمور لا تسمن ولا تغني من هيبة أو أمن أو استقرار..
اليوم تبدأ أورتاغوس زيارتها إلى لبنان ويديها ملطختين بدماء مواطنين لبنانيين، وهي تأتي لتهدّد وتتوعد وتعطي مهل، وتنتقد وتوبخ وتسحب ثقة وتفرض شروط، من دون أن يرف لها جفن، لأن بعض المسؤولين المعنيين أجبن من أن يتصدوا لها أو أن يبادروا إلى عدم استقبالها..
 
                                 
                             
                                         
                                             
                                             
                                             
                                            