حمزة البشتاوي/ كاتب فلسطيني
في كثير من المواقف والأشياء الصغيرة والكبيرة التي نحب، أستعيد شريط الذكريات لأكتب رثاءً يليق بالشاعر والصحافي والمترجم إسكندر حبش الذي رحل بعد صراع طويل مع المرض، وأخذ معه كثيرًا من حلو الكلام والحروف العالية كنشيد الوطن.
رحل إسكندر حبش ذو الوجه الجميل الذي يشبه استراحة المقاومين بعد التعب، وهو سيبقى حاضرًا بيننا، بصفته صاحب تجربة أدبية فذة وفريدة وشعرًا من لحم ودم..وستبقى أعماله الأدبية حاضرة معنا، كلهفة الأغاني ودمع العنب ودالية الكرمل وبيارات اللد وحيفا وسحر بيروت.
ها أنا أحاول البحث، في قاموس المراثي، عما يليق برحيلك الهادئ والنبيل، وأنت الذي يعرف بأن الرحيل هو الوجه الآخر للبقاء، ونحن ما نزال بحاجة لنصوصك النثرية الباهرة التي يمكن أن نستلهم منها أول النشيد عن الروح والحب والمقاومة وفلسطين التي تنشد لك مع بيروت نشيد الوداع، من دون أن يغيب صوتك الذي سيبقى حاضرًا كجبل لا يلين، يسلط الضوء على المقاومة وسلاحها الذي سينزع الاحتلال، وسيبقى درعًا يحمي الأرض والإنسان والهوية من النسيان.
أتذكر، وأنا أستعيد شريط الذكريات، حديثك بفخر وعنفوان عن شجاعة وبطولة المقاومة وفعلها، في الميدان والسياسة والثقافة والأدب بعمق وأصالة، كونها صوت الحرية وضمير الناس، وكنت تقول: "إن المقاومة هي التفاؤل الدائم بالنصر، وهي التي توقد الحماسة في النفوس وتزرع الأمل في القلوب".
ستبقى سيرتك الذاتية مشعة كبرتقال يافا والجنوب؛ وفيها تحضر أيضًا مدينة اللد موطن الآباء والأجداد، وتحضر بيروت التي ولدت فيها في العام 1963 لعائلة لبنانية من أصول فلسطينية حاضرة بيننا، كما أعمالك الأدبية، ومنها: بورتريه رجل من معدن (1988) ونصف تفاحة (1993) وتلك المدن (1997) وأشكو الخريف، لا أمل لي بهذا الصمت (2009) ولا شيء أكثر من هذا الثلج (2013) وإقامة غبار (2020).. هذا إضافة إلى ترجماتك التي أغنت المكتبة العربية، وإدارتك للصفحة الثقافية في جريدة السفير، وصولًا إلى كتاب "ضوء الأمكنة المتناغمة" الصادر عن أكاديمية دار الثقافة ودار الفارابي.
.jpg)
برحيلك يا أجمل الأشجار، في غابة اللغة، تحزن اللد وتحزن بيروت وغيرها من المدن التي كان لك فيها بيوت من الشعر والحب.. وستبقى هذه المدن تتذكر كلماتك عن المقاومة بأنها فعل حرية وكرامة، كما سيبقى ما كتبته جزءًا من ذاكرتنا الثقافية، وتأكيدًا بأنّ الكلمة المقاومة لا تموت؛ ما دام هناك من يكتبها ويؤمن بها.