غسان ريفي (سفير الشمال)
  
ضربت "إسرائيل" الأجواء الإيجابية التي أشيعت بعد زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى لبنان ولقائها الرؤساء الثلاثة وترؤسها لجنة الميكانيزم، وجولة المبعوث المصري اللواء حسن رشاد، باعتدائها السافر على بلدية بليدا وإعدام الموظف إبراهيم سلامة، وذلك بعد توغلها في الأراضي اللبنانية أكثر من كيلومتر.
العدوان "الإسرائيلي" جاء هذه المرة ليخرق القرار الأممي 1701، واتفاق وقف إطلاق النار، كما أطاح بصورة لجنة الميكانيزم التي تحولت منذ زمن إلى شاهد زور، كونه استهدف مؤسسة لبنانية رسمية (بلدية بليدا)، وقتل موظفا بلديا، وانتهك السيادة اللبنانية واعتدى على الكرامة الوطنية، لتقتصر الإدانات على الرؤساء الثلاثة وحزب الله، بينما بلع “السياديون” ألسنتهم، والتزموا صمتا أشبه بصمت القبور.
هذه الاعتداءات التي تجاوزت كلّ الحدود، دفعت رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون إلى اتّخاذ موقف وطني مشرّف تمثل بالطلب من قائد الجيش العماد رودولف هيكل التصدي لأي توغل "إسرائيل" جديد، وهو أمر يضع المؤسسة العسكرية ومعها لبنان أمام تحديات كبرى، تتطلب تخلي كلّ التيارات السياسية والأحزاب عن مصالحها الشخصية وتجاذباتها وسعيها لتحقيق مكاسب ضيقة، والالتفاف حول الرئيس عون وقيادة الجيش لدعم الموقف اللبناني الرسمي وإعطائه المزيد من الزخم والدعم.
يمتلك الجيش اللبناني العقيدة الوطنية الكاملة التي تؤهله لمواجهة "إسرائيل"، لكنّه في الوقت نفسه يحتاج إلى التجهيزات العسكرية والأسلحة النوعية التي ما يزال محروما منها بتوجيهات أميركية تحسبا لقرار رئاسي لبناني من هذا النوع يقضي بمواجهة التوغل ال"إسرائيلي"، وهذا ما عبر عنه المبعوث الأميركي توم برّاك صراحة عندما قال: “نحن لن نسلح الجيش لقتال "إسرائيل"، لكننا نريد تسليح الجيش لمواجهة حزب الله”، ما يؤكد النية الأميركية لإحداث فتنة داخلية تساهم في إراحة "إسرائيل" ومنحها حرية التحرك والتوغل في الأراضي اللبنانية.
اللافت، أن الأميركي لا يكذب وكذلك ال"إسرائيلي"، لكن بعض المسؤولين في لبنان لا يريدون أن يسمعون أو أن يصدقون، فأميركا تبتز لبنان بالعدوان لإجباره على المفاوضات المباشرة مع "إسرائيل" وهذا ما عبرت عنه مورغان أورتاغوس في لجنة الميكانيزم، كما تجاوزت قرار الحكومة اللبنانية الذي أعطى الجيش مساحة زمنية لتطبيق خطة سحب السلاح التي تواجه العراقيل في ظل الاحتلال ال"إسرائيلي"، إلى تأكيدها على ضرورة إنهاء مهمّة الجيش بسحب السلاح من كلّ المناطق اللبنانية قبل نهاية العام الحالي، لتصادر دور الحكومة اللبنانية وتفرض قرارها عليها، من دون أن يحرك رئيسها نواف سلام أو الوزراء المعنيون ولا سيما يوسف رجي ساكنا، وهو الساعي إلى البكاء في حضن أورتاغوس وباراك لمساعدة لبنان في التخلص من المقاومة وليس من الاحتلال بحسب توجيهات الحزب الذي ينتمي إليه، ونقيضا للأولويات التي يتمسك بها لبنان الرسمي بحسب توجيهات رئيس الجمهورية.
كذلك، فإن "إسرائيل" أعلنت أنها أبلغت أميركا بأنها لن توقف اعتداءاتها على لبنان، وهي مستمرة في الخروقات وفي استهداف الدولة بكيانها وهيبتها، في وقت ما تزال فيه بعض التيارات السياسية تتبنّى وجهة النظر "الإسرائيلية" وتبرر لها اعتداءاتها، وتروج للسلام والتطبيع معها، وتنفي أن يكون للعدو أطماع في لبنان، وهو أمر بعد حادثة بليدا على وجه الخصوص، يتطلب مساءلة قانونية لكل من يعتمد هذه المواقف.
من الطبيعي أن لا يتوانى الجيش اللبناني عن تنفيذ طلب رئيس الجمهورية بالتصدي لأي توغل "إسرائيلي" جديد، لكن التجاوزات "الإسرائيلية" المتنامية لم تعد تحتمل وهي تحتاج إلى معادلة ردع جديدة إلى جانب دخول الجيش إلى المواجهة، فهل آن الأوان لأن تضع المقاومة هذه المعادلة أو أن تهدّد بها، خصوصًا أن السرية المعتمدة من قبل حزب الله، والهدوء الذي اتسم به أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في مقابلته التلفزيونية وعدم مبالغته في الحديث قوة المقاومة، وتأكيده أنها ستتصدّى وفقًا لإمكاناتها المتاحة، قد رفع من الهواجس "الإسرائيلية" مما تخبئة المقاومة من قدرات لم يعد العدوّ قادرا على رصدها..
 
                                 
                             
                                         
                                             
                                             
                                             
                                            