حسين كوراني/ موقع أوراق
في خطوة لم تكن مفاجئة على كيان غاصب محتل أُسّس على سفك دم الأبرياء في أرض فلسطين أن يطالب بتنفيذ حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين الذين لم يعتقلوا في أرض المعركة، لذلك لا تنطبق عليهم صفة "أسرى الحرب"، وما يترتب على ذلك من قوانين دولية لجهة المحاكمة والمعاملة.
مع ذلك؛ أقرت لجنة الأمن في "الكنيست الإسرائيلي"، يوم أمس الإثنين (3 تشرين الثاني 2025)، مشروع قانون يتيح تنفيذ حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لإقرار مشروع القانون، وأن اللجنة أقرته وأحالته إلى الهيئة العامة للكنيست لمناقشته والتصويت عليه في المراحل التشريعية المقبلة، ومن المتوقع أن يطرح للتصويت يوم الأربعاء المقبل. ومن يُسمّى "وزير الأمن القومي" إيتمار بن غفير رّحب بالقرار شاكرًا نتنياهو على دعمه القانون، قائلًا: "عدم السماح للقضاة بإبداء الرأي".
حقوق أسرى الحرب في اتفاقية جنيف الثالثة
تنص المادة الـ13، من اتفاقية جنيف الثالثة، على وجوب التقيد بالمعاملة الحسنة وعدم اقتراف أي فعل أو إهمال يؤدي إلى موت الأسير. كما حظرت على أي جيش تعريض أي أسير لتشويه بدني أو تجارب طبية أو علمية من أي نوع.
كما تحظر المادة نفسها اتخاذ أي تدابير تشكل اقتصاصًا من أسرى الحرب، في حين تنص المادة الـ19 من الاتفاقية على وجوب إجلاء الأسرى بأسرع ما يمكن عن منطقة القتال حتى يكونوا في مأمن من الخطر. وتشدد المادتان الثالثة والـ20 على أنه لا يجوز في أي وقت كان إرسال أي أسير حرب إلى منطقة قد يتعرض فيها لنيران القتال أو إبقاؤه فيها، او استغلال وجوده لجعل بعض المواقع أو المناطق في مأمن من العمليات الحربية.
مشاهدات الأسرى تناقض اتفاقية جنيف
معظم الأسرى الفلسطينيين لا تنطبق عليهم صفة "أسرى الحرب"؛ هم معتقلون ومختطفون، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على اعتقالهم وهم يمارسون أعمالهم الحياتية أو خلال مداهمتهم في بيوتهم وهم نيام. وعلى الرغم من ذلك؛ تعاملت معهم "إسرائيل" على أنها أسرتهم خلال المعارك. وهذا يتنافى واتفاقية جنيف الثالثة.
ما يؤكد وحشية الاحتلال في التعذيب، ما نقله أسرى فلسطينيون محررون من تفاصيل مروعة عن التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي المتعمد داخل المعتقلات الإسرائيلية. إذ فقد غالبيتهم عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم وتعرضوا للكسور والأمراض، بينما استشهد آخرون تحت وطأة التعذيب والظروف القاسية.
خلال وصول أسرى فلسطينيين إلى أرض الحرية، في قطاع غزة في آخر صفقة تبادل في تشرين الأول الماضي، بدت على أجسادهم الهزيلة آثار التعذيب الوحشي داخل سجون الاحتلال، وملامحهم شاحبة وأجسادهم منهكة، بينما تحكي أعينهم قصصًا يصعب وصفها بالكلمات.
كما تجسدت المأساة الإنسانية في مشهد درامي؛ حين رأى الأبناء ذويهم الأسرى المحررين ولم يعرفوهم، ما يعكس حجم الألم الذي تعيشه العائلات الفلسطينية. إذ أصبح بعض الأبناء آباء من دون أن يتعرّفوا أبناءهم، بينما لم ير بعض الأجداد أحفادهم قط.
أحد الأسرى المحررين تلقى صدمة مزدوجة عند وصوله إلى لحظة الحرية وعرف باستشهاد والده وأخيه الأكبر. ويروي كيف وصلوا إلى مرحلة الموت داخل سجن نفحة الصحراوي بسبب الإهمال الصحي المتعمد من إدارة السجن، والأمراض الجلدية التي انتشرت بين أكثر من 80% من الأسرى.
كما يصف الاكتظاظ الشديد في الغرف؛ حيث كانت الغرفة المخصصة لـ6 أسرى لا  تستوعب 15 أسيرًا، ما أدى إلى انتقال العدوى بين الأسرى بسرعة. ويكشف حوادث مؤلمة؛ حين كان الطبيب هو أول من يعتدي عليهم بالضرب ويرفض إعطاءهم حتى حبة دواء بسيطة، مؤكدًا أن الإهمال الطبي كان متعمدًا وممنهجًا. ويسرد معاناته، في سجون شرطة الاحتلال، لمدة سنة و3 أشهر من الجوع والمرض وأشكال العقاب، مثل سحب الفراش والبطانيات والحرمان من الملابس. ويصف معاناتهم في أثناء فصل الشتاء؛ وهم مصابون بالجرب والدمامل والفطريات ما يجعلهم يفقدون الرغبة في الحياة.
            
كذلك تحدث أسير آخر محرر عن أشكال التعذيب القاسية؛ من ضرب بمواسير حديدية وأدوات مطاطية تخرج اللحم من أرجلهم. ويضيف أنهم كانوا يبقون 24 ساعة على بطونهم وأيديهم في السماء، بينما تظهر على يديه وركبتيه آثار الجروح والالتهابات الداخلية التي لمّا تلتئم بعد. وأكد استشهاد العديد من زملائه الأسرى تحت وطأة التعذيب.
نادي الأسير: الاحتلال لم يتوقف يومًا عن تنفيذ عمليات الإعدام
ردًا على القرار، رأى نادي الأسير الفلسطيني إن "إسرائيل" تسعى لترسيخ "جريمة الإعدام" بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونها عبر "تشريع قانون خاص". وأضاف النادي (غير حكومي)، في بيان، أن: "الاحتلال لم يتوقف يومًا عن تنفيذ عمليات الإعدام، خارج نطاق القانون بحق الفلسطينيين، سواء الإعدام المتعمد في أثناء الاعتقال أم التحقيق أم الاغتيال أم الإهمال الطبي المميت، ضمن مسار الجرائم الطبية الممنهجة".
كما أشار النادي إلى أن: "إسرائيل قتلت منذ بدء الحرب، في 8 تشرين الأول 2023 وحتى مطلع تشرين الثاني الجاري في سجونها، 81 فلسطينيا. هؤلاء المعلن عنهم، إلى جانب العشرات من المعتقليين من قطاع غزة الذين أعدموا"، مؤكدًا أن: "المرحلة الراهنة هي الأكثر دموية في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة".
جدير بالذكر أن هناك أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني يقبعون في معتقلات العدو، بينهم أطفال ونساء، ويعانون تعذيبًا وتجويعًا وإهمالًا طبيًا، وقتل العديد منهم، بحسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية، وحتى منظمات إسرائيلية.