أوراق ثقافية

إلغاء صامت لمعرض دمشق الدولي للكتاب

post-img

لم تكشف وزارة الثقافة السورية سبب الإلغاء "الصامت" لمعرض الكتاب السنوي، الذي يقام عادة في المكتبة الوطنية (مكتبة الأسد سابقاً)، الواقعة في وسط دمشق في ساحة الأمويين. وكانت الهيئة العامة السورية للكتاب التابعة للوزارة قد أعلنت في يوليو/ تموز الماضي، بدء التحضيرات والعمل لإقامة المعرض الدولي للكتاب، محددة موعد افتتاحه في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2025. لكن الوعود تبخرت، دون أن تقدم وزارة الثقافة أو الهيئة العامة السورية للكتاب أي تبريرات لعدم استكمال التحضيرات، أو حتى تصدر إعلاناً يفيد بإلغائه أو تأجيله لموعد لاحق.

اقتصرت نشاطات الوزارة الحالية في هذا الصدد على المشاركة بجناح لها في معرض دمشق الدولي الذي أقيم في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو معرض اقتصادي وتجاري، فعرضت في جناحها المذكور جزءاً من الكتب والمنشورات الصادرة عنها وعن الهيئة العامة، بالإضافة إلى إطلاقها نشاطاً جديداً سمّته بالحافلة الثقافية، وابتدأت فيه في دمشق وأريافها، على أن تُعمّم التجربة لاحقاً لبقية المحافظات، والحافلة الثقافية أشبه بمعرض جوال يحمل مطبوعاتها ويسعى للتعريف بها، ويقوم ببعض النشاطات الفنية والترفيهية ذات الطابع الأدبي. وتهدف الفكرة من وجهة نظر الوزارة إلى خلق أرضية جماهيرية للثقافة، وفتح قنوات اتصال لكسر الجمود مع الناس والتقرب منهم مكانياً ونفسياً، بدل انزوائها في برجها العاجي وانتظار النخب الراغبة، فقط، في التواصل معها.

لو تم إنجاز معرض دمشق الدولي للكتاب لهذا العام لشكّل نقلة نوعية لأنشطة الوزارة التي لم تتجاوز بعدها المحلي حتى الآن، وشاب عملها الكثير من الجدل، واعتُبر استمرارية لمعارض الكتاب الدولية التي كانت تقام سنوياً في دمشق، والتي وصلت إلى الدورة الثانية والثلاثين عام 2019. وتراجع بعدها عن صفته الدولية ليقام سنوياً، بدءاً من عام 2021، بصفة محلية باسم معرض الكتاب السوري، واعتُبر بديلاً عن معرض الكتاب الدولي، وبلغ دورته الثالثة عام 2024، وشاركت فيه 40 دار نشر رسمية وخاصة، وهو رقم هزيل قياساً بالمشاركات السابقة في المعرض. وإذا تجاوزنا التضخيم التي كانت تمارسه وكالة الأنباء السورية (سانا) في أرقام المشاركين لإظهار أن الحياة باتت عادية في سورية، فإن عدد دور النشر المشاركة عام 2017 بلغ حينها 150 داراً، 50 منها عربية، وبلغ عدد عناوين الكتب المعروضة في حينه 150 ألف عنوان.

انطلق معرض دمشق الدولي للكتاب في دورته الأولى عام 1984 في مكتبة الأسد (المكتبة الوطنية حالياً)، واستمر فيها حتى عام 2008 بدورته السادسة والعشرين، لينتقل بعدها إلى مدينة المعارض (على طريق مطار دمشق الدولي) لسنتين لاحقتين، ما شكل انتكاسة له، قبل أن يتأثر أيضاً بالتداعيات الأمنية والسياسية القائمة في البلاد بفعل الثورة المندلعة في البلاد عام 2011، والتي فرضت أن يعود المعرض الدولي للكتاب فيها إلى المكتبة الوطنية.

معارض محلية

إذا كانت المعارض الدولية للكتاب تشكل نقطة جذب لكثير من القراء لغِنى محتوياتها، فإن غياب المعارض الدولية عن المحافظات السورية يشكل تهميشاً للقارئ السوري تعجز المعارض المحلية فيها عن ملء هذا الفراغ. وبالمثل تعاني المعارض المحلية للكتاب في جميع المحافظات السورية من التشتت وغياب التغطية الإعلامية الجيدة، واقتصارها على محدودية عددها، وعلى قلة دور النشر المحلية المشاركة فيها. وباستثناء معارض الكتاب التي تقيمها وزارة الثقافة، وهي معارض صغيرة ومحدودة الأثر، فإن القطاع الخاص ودور النشر المحلية نادراً ما تبادر إلى إقامة المعارض أو المشاركة فيها. فيما تقيم وزارة الثقافة معارض لكتبها في المراكز الثقافية في المحافظات. ومن أبرز المعارض التي تقيمها الوزارة معرض شهر الكتاب السوري، في جميع المحافظات، وتعرض فيه الهيئة إصداراتها بأسعار مخفضة، كما تقيم معرضاً سنوياً باسم يوم الكتاب السوري، وغالباً يُنظّم في إحدى الجامعات السورية.

لا يخلو الأمر من مشاركات رسمية أو أهلية لبعض دور النشر في فعاليات ثقافية أو تجارية ليست مختصة بالكتاب، وغالباً تكون مشاركات رمزية وتعريفية أكثر من كونها ذات أثر فعلي.

غاب هذا العام أيضاً معرض الكتاب في إدلب، الذي شكل حدثاً سنوياً ووصل إلى دورته الثالثة عام 2024. أما معرض "قامشلو" بدورته التاسعة والذي تقيمه سلطة الإدارة الذاتية، شمال شرقي سورية، فكان من اللافت أن انطلاقته في العشرين من الشهر الماضي تتزامن مع التوقيت الذي كان يفترض فيه انطلاق معرض دمشق الدولي للكتاب. ولعل السمة الأبرز في معرض "قامشلو" الذي يحمل رقم الدورة التاسعة له، هو تغيير تسميته من معرض الشهيد هركول للكتاب إلى معرض هركول الدولي للكتاب، بمشاركة نحو 60 داراً للنشر من العراق، وبعض دول الخليج، مصر، لبنان، السويد.

أزمة صناعة الكتاب

بالقدر نفسه الذي لا تلبي فيه المعارض المحلية احتياجات القارئ السوري أو اهتماماته، فإنها لا تشكل، أيضاً، نقطة جذب لدور النشر السورية، لأسباب متعددة تتعلق بأزمة صناعة الكتاب المتصلة بدورها بمزيج من الإشكاليات العالمية والمحلية، مثل طغيان النشر الإلكتروني وهيمنة المرئي والمسموع، وتراجع النشر الورقي على صعيد عام، لتشكل جملة من الأسباب الرئيسية في هذا المجال. غير أن الأسباب المحلية هي الأكثر فاعلية في علاقة دور النشر السورية بالمعارض المحلية وتأثيرها على المشهد الثقافي، وتمثل الأسباب الاقتصادية وضعف المداخيل وانعدام قدرة السوريين على اقتناء الكتب الورقية، بالإضافة إلى العامل الرقابي، عوامل كابحة لرواج الكتاب السوري في الداخل، بالإضافة إلى ضعف مردود الكاتب من عملية التأليف والترجمة قياساً بأقرانه في الخارج، ما يشكل كابحاً إضافياً لعمليات التأليف والترجمة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد