فؤاد بزي (صحيفة الأخبار)
في نهاية تشرين الأول الماضي، صرفت الهيئة العليا للإغاثة بدلات إيواء للعائلات التي تدمّرت بيوتها في العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية قبل عيد الأضحى في 5 حزيران الماضي. ووسط محدودية هذه المساعدة التي بلغت قيمتها 150 مليون ليرة لكل أسرة بعنوان «بدل إيجار منزل لمدّة 3 أشهر»، إلا أنها لم تكتمل لأن مصرَفي «بلوم بنك»، و«الاعتماد اللبناني»، قرّرا بشكل أحادي ووقح، تقييد سحب الأموال من الحسابات العائدة لهذه الأسر.
لم يكن سلوك المصارف في سنوات ما بعد الإفلاس المصرفي، مختلفاً عما كان قبلها. فالمصارف كانت تملك نفوذاً واسعاً يتيح لها التحكّم بكل عمليات التمويل بما فيها تلك التي يقرّرها مصرف لبنان، إذ لم يكن يصدر أي تعميم مغاير لما تراه مناسباً لمصالحها وأرباحها. الأمر نفسه يتكرّر رغم الإفلاس المصرفي، إذ إن المصارف قرّرت أن تمارس قيوداً غير شرعية على الحسابات المصرفية وقد سايرتها السلطة السياسية وأغمضت السلطات القضائية أعينها عن إحقاق هذا الحق، وها هي اليوم تمارس النفوذ نفسه على مهجّرين دُمرت بيوتهم على يد العدو الإسرائيلي. فعندما رضخت السلطة السياسية لبعض الضغوط المتعلقة بتقديم مساعدات في مجال الإيواء، تبيّن، أن العائق لم يكن هذا القرار السياسي فقط، بل في أن المصارف تحتاج إلى ضغوط هي الأخرى من أجل تسديد الحقوق لأصحابها.
«يا فرحة ما تمت»، يقول محمد صاحب أحد المنازل المدمّرة في منطقة الجاموس بعدما تبيّن له أن المصارف تمنعه من سحب المبالغ التي خصّصتها له الهيئة العليا للإغاثة. بدا وكأن المصارف تتعامل مع المساعدات المحوّلة من الهيئة العليا للإغاثة كأنها وديعة محجوزة يعود تاريخها إلى ما قبل عام 2019. علماً أن حجز الودائع قبل هذا التاريخ هو أمر غير قانوني وليس له أي سند، باستثناء أن القضاء يرفض البتّ بهذه المسائل.
يشير محمد إلى أن بلوم بنك حَجَزَ بدل الإيواء المدفوع من الهيئة، وأبلغ صاحب الحساب بأنّه «لا يسمح بسحب أكثر من 5 ملايين ليرة شهرياً منها»، ما يعني أنّه سيحتاج إلى 30 شهراً أو سنتين ونصف سنة لسحب المساعدة الحكومية المحدودة. وبشكل مماثل، وربما أبعد قليلاً، قرّر بنك الاعتماد اللبناني إعطاء صاحب المساعدة بطاقة مصرفية تسمح له باستخدام مبلغ بدل الإيواء لشراء مواد غذائية حصراً (!) ما يعني أنّ المصرف من تلقاء نفسه قرّر تغيير وجهة استخدام المساعدة المالية.
ويروي النائب أمين شرّي الذي يتابع الملف، أنّ «الشكوى من تعامل المصارف مع المساعدات المخصّصة لإيواء أصحاب البيوت المدمرة في العدوان الأخير على الضاحية، أتت على مصرفين فقط، هما بلوم بنك والاعتماد اللبناني». ورغم أنه يتوقع «حلحلة الملف في الأسبوع المقبل»، إلا أنه استغرب هذا السلوك لأنه «لا علاقة للمصرف بطريقة صرف الأموال».
يثير هذا السلوك أسئلة كثيرة؛ فهل سمح مصرف لبنان لهذه المصارف وغيرها بأن تقيّد أموالاً مدفوعة من الحكومة اللبنانية لمواطنيها؟ هل كريم سعيد أوعز إلى المصارف بذلك، أم أن المصارف لديها نفوذ قاهر على كريم سعيد للقيام بما تريده؟ ثمة سؤال آخر يتعلق بكون المبالغ المدفوعة آتية من حساب الخزينة لدى مصرف لبنان: هل يوافق وزير المال ياسين جابر على هذا السلوك من مصرف لبنان ومن المصارف على حدّ سواء؟ أم أن مشاركته في مؤتمر الإعمار حيث ألقى خطاباً يتعهد فيه بالقيام بكل ما يلزم لإعادة الإعمار، هي مجرّد شكليات للتغطية على المصارف التي يملك شقيقه حصّة فيها؟ أليس هناك أي رغبة في محاسبة هذين المصرفين وغيرهما من الذين قرّروا فرض القيود على الحسابات المصرفية من دون أي سند قانوني؟