اوراق مختارة

وزير الأشغال «يُورِّط» بلدية الغبيري: رمِّموا الأبنية المُخالِفة!

post-img

زينب حمود (صحيفة الأخبار)

تفاجأت بلدية الغبيري بالبند 22 في جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم، والذي يتعلق بـ«الإجازة للبلدية إعطاء تصاريح ترميم الأبنية المتصدّعة ضمن نطاق مشروع أليسار»، علماً أنها أبنية قائمة على تعدّيات على مشاعات وأملاك خاصة، إذ طلب وزير الأشغال فايز رسامني إضافته إلى جدول الأعمال من دون أن يسأل البلدية عن إمكاناتها لمراقبة عمليات الترميم، واستعدادها لوضع يدها على ملف إشكالي من العيار الثقيل.

ففصل الشتاء على الأبواب، وخطر سقوط الأبنية المتصدّعة يزداد، وسكان هذه الأبنية تقدّموا مراراً بمراجعات لترميمها. لكن في الوقت نفسه، لا أحد من البلدية ولا محافظ جبل لبنان محمد مكاوي، إلى وزراتَي الداخلية والأشغال، يملكون حلاً أو هم مستعدّون حتى ليأخذوا على عاتقهم قرار ترميم المباني المُخالِفة. لذا، «تهرّب رسامني من المسؤولية ورمى كرة النار في ملعب البلدية، وورّطنا»، كما يقول رئيسها أحمد الخنسا لـ«الأخبار».

أمس، أُشيع خبر سحب هذا البند من جدول الأعمال، لكنّ مصادر وزارية متابِعة أكّدت أن «البند لا يزال موجوداً ووزير الأشغال يدرس خيار التراجع عنه». حاولت «الأخبار» التواصل معه لسؤاله عن موقفه من دون نتيجة، فيما اكتفت مصادر وزارته بالإشارة إلى أنه «غير مسؤول عن هذا المُقترح، الذي حمله من عهد وزير الأشغال السابق علي حمية». لكن، وبغضّ النظر عن صاحب المُقترح، فإن رسامني تبنّاه قبل مراجعة حيثياته مع البلدية.

الترميم حجّة للتعدّي

الخنسا يرفض هذا المُقترح لسببين أساسيين. أولهما، أنه «لا يهضم» فكرة مساعدة المخالِفين من أساسها، فرغم تأكيد «الأشغال» في البند المُدرج أن «هذا الإجراء لا يُنشِئ أيّ حق مكتسب لشاغلي العقارات لجهة الملكية أو إشغال قانوني»، لا يجد الخنسا نفسه، من الناحية القانونية والحقوقية، قادراً على أن يكون «شريكاً في تمتين بناء مُخالِف في الأصل، أو وضع أيّ حجر في ملك ليس ملكه».

والسبب الثاني يتعلق بـ«غياب الإمكانات المادية والبشرية في البلدية، من رجال الشرطة وعمال الأشغال الذين بِمشقّة ينفّذون مهامهم اليومية، وبالتالي عدم قدرتنا على الإشراف على أعمال الترميم».

وعدم القدرة على مراقبة أعمال الترميم، يعني أنه «سيكون حجة لانفلاش التعدّيات والتوسّع في المخالفات». ويشرح الخنسا أنه «خلال ورشة الترميم سيكون من الصعب مراقبة جميع الأعمال والتأكّد من التقيّد بالإجازات الممنوحة، أو حتى ضبط الفوضى العمرانية والمخالفات التي ستستغل الفرصة لتتوسّع عمودياً وأفقياً، خاصةً أن المناطق المُدرجة ضمن نطاق مشروع «أليسار» هي مناطق عشوائية وفيها زواريب ضيقة وتُعدّ أساساً بيئة حاضنة للتعدّيات».

ويُكمِل: «نحن نراقب أعمال البناء، وعندما يصلنا أي بلاغ حول مخالفة من هذا النوع نتوجه إلى المكان، وأحياناً يستغل المخالِف عطلة نهاية الأسبوع ليُنهي أعمال البناء فنقوم بهدمها. لكن إذا أتيح الترميم فسنكون أمام احتمالين، أحلاهما مرٌّ: إمّا تزيد البلاغات مع كل صوت مطرقة وضدّ أعمال مُرخّص لها، فتزيد أعباء الكشف على عاتق البلدية، وإمّا سيصدّق الناس ادّعاء المخالِفين بأنهم حصلوا على تصاريح، وبالتالي لن يُبلِّغوا عنها».

وتلك ليست سيناريوهات مُتخيّلة، فورش البناء لطالما ارتبطت بتوسّع التعدّيات. ومن بين الأمثلة: الرمل العالي في برج البراجنة، الذي تحوّل إلى منطقة سكنية مكتظّة قائمة على المخالفات.

لتجنّب الكارثة... قبل وقوعها

بعيداً عن تقاذف المسؤوليات و«توريط» البلدية، يهدّد الواقع السكني الحالي في المناطق الواقعة ضمن نطاق مشروع «أليسار» من حي فرحات وحرج القتيل وحرج تابت وفي أماكن مُحدّدة من الجناح، أرواح الآلاف الذين يسكنون تحت أسقف مُهدّدة بالسقوط. غير أنه لا يمكن النظر إلى الملف من زاوية التعدّي على الأملاك العامة والخاصة ومخالفة القوانين، وتجاهل السياق العام الذي أدّى إلى هذه الحال، والتهجير القسري إبان الحرب الأهلية، والتقاعس عن حل الأزمات السكنية حتى انفلشت بهذا الشكل.

لكنّ الخنسا يشير إلى أن «بين 90 و95% من السكان الذين يطالبون بالترميم هم غير لبنانيين، بل هم سوريون وعمال أجانب، استأجروا الشقق من أصحابها الذين تعدّوا على أملاك غيرهم، فيما المالكون الأصليون يقفون متفرّجين، ما يعني أن حجة التهجير والظروف الإنسانية القاهرة التي تفرض علينا تقبّل المخالفات وشرعنتها باتت غير مُقنِعة».

الأكيد أنّه لا يمكن حلّ هذا النزاع القديم عبر «الترقيع» كما يفعل وزير الأشغال اليوم، ولا على المستوى المحلي الضيّق، لأنه إضافة إلى التعدّيات في المناطق التي تخضع لمشروع «أليسار» والتي توقّف عندها هذا البند، تنتشر العشوائيات في أكثر من مكان، وباتت أيضاً بحاجة إلى معالجة سريعة، كما في الأوزاعي، حيث تعيش منطقة كاملة على كتف البحر بصورة غير شرعية. الهزّة الأرضية التي تأثّر بها لبنان في شباط 2023 أعادت إلى الواجهة هذا الملف. وربما «تهزّ» الهزات الأرضية التي حصلت في لبنان أمس، المعنيّين، ليطلقوا نقاشاً جدياً، لمرة واحدة، بهدف تجنّب كارثة إنسانية، قد تقع في أيّ لحظة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد