أوراق سياسية

لماذا خسرت الأحزاب معركة نقابة المحامين أمام مارتينوس؟

post-img

لينا فخر الدين (الأخبار)

مع إعلان فوز عماد مارتينوس بمنصب نقيب المحامين في بيروت، أوّل من أمس، بدأت الماكينات الحزبيّة في تحليل الأرقام وأسباب سقوط تحالف الأحزاب أمام المرشّح المدعوم من "القوات اللبنانيّة" والأعضاء المحسوبين على معراب: إيلي الحشّاش (قواتي)، جورج يزبك (مستقل)، ومروان جبر (مستقل).

وكان واضحًا أنّ التحالف الهجين الذي لم ينجح في إيصال مرشّح الكتائب إيلي بازرلي كان هشًّا، إذ لم يجتمع أطرافه على مشروع نقابي حقيقي بقدر ما جمعهم هدف مزدوج: إسقاط "القوات"، وتأمين فوز مرشّحيهم. وهذا النهج بات سمة عامة في السنوات الأخيرة، بعدما تحوّلت الاستحقاقات النقابية إلى مختبر للنخبة، تُقاس عبره اتّجاهات الشارع وتُستثمر نتائجه سياسيًا.

لذلك، لم يكن مستغربًا أن يجتمع الكتائب مع التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل في تحالفٍ واحد. لكنّ إخفاق معظم هؤلاء في إيصال مرشّحيهم - بخلاف "القوات" - كشف أنّ هذا التحالف كان عبئًا على مرشّحيه أكثر ممّا كان رافعةً لهم، خصوصًا أنّ الحزبيين داخل النقابة لا يتجاوزون ثلث الهيئة الناخبة، في ما يمتلك "القوات" والكتائب وحدهما كتلتين تقارب كلّ منهما 700 صوت.

ويُجمع مسؤولون حزبيون على أنّ اتّساع التحالفات يشتّت القدرة على ضخّ الأصوات في اتّجاه واحد، وهو ما بدا واضحًا في عجز الصيفي عن الإيفاء بوعودها تجاه حلفائها.

فقد انصبّ تركيز الكتائب على دعم مرشّحيها الأساسيين: إيلي بازرلي لمركز النقيب، وموريس الجميّل للعضوية، وتأمين "سكور" مرتفع لهما، في ما توزّع الفائض على الحلفاء بنِسَب أدنى. وتزيد بعض الماكينات على ذلك باتهام "الكتائبيين" بعدم إعداد لائحة كاملة تضمّ أسماء مرشّحي الحلفاء.

ونتيجة ذلك، خسر مرشّح التيار وسيم بو طايع، وحلّ كعضو رديف بفارق يقارب 215 صوتًا عن الجميّل، رغم استفادته من تحالف مع تيار المستقبل في ضوء التعاون بينهما في انتخابات نقابة الشمال، رغم أن "التيار الأزرق" نفسه لم ينجح في ضبط قاعدته الانتخابية للتصويت لمرشّحٍ عوني.

أزمة التزام؟

في المقابل، ترى الماكينات الحزبية داخل النقابة أنّ تخلّي الكتائب عن التزاماتها لم يكن نتيجة تعدّد التحالفات بحدّ ذاته، بل بسبب "أزمة التزام" حقيقية تنقسم إلى شقّين:

الشقّ الأول يرتبط بـ"اللعبة الانتخابية" التي تمارسها الصيفي عادةً، والمتمثّلة بإعطاء وعود تفوق قدرتها على التجيير، وعدم الالتزام الكامل مع الحلفاء، خلافًا لـ"القوات" التي، إن وعدت تفي. ويستشهد هؤلاء بنجاح "القوات" في إيصال لائحة كاملة من غير المحسوبين عليها، فجاءت نتيجة الحزبي إيلي الحشّاش متقاربة مع المستقلَين المدعومَين منها كنديم حمادة (الذي استفاد أيضًا من بلوك كتائبي) وجورج يزبك. بينما تقدّم مروان جبر على الجميع بحصوله على 2559 صوتًا وحلوله ثالثًا بعد مرشّحَيْ النقيب، بفضل دعم النقباء السابقين وشبكة علاقاته الواسعة المستندة إلى إرث والده النقيب نهاد جبر.

الشقّ الثاني يعود إلى التشرذم داخل القاعدة الكتائبية نفسها بسبب اعتراضات على "فرض" ترشيح بازرلي الذي كان يُحسب سابقًا على التيار الوطني الحر، ما أدى إلى تشتّت الأصوات وأسهم في خسارته. وفي هذا السياق، كان لافتًا وقوف النقيب السابق النائب الأول لرئيس حزب الكتائب، جورج جريج، وهو يرفع علامة النصر إلى جانب مارتينوس. إذ بدا وكأنّه يثأر من قيادة الحزب عقب إبعاده عن موقعه. وجريج ليس نقيبًا سابقًا وقياديًا كتائبيًا فقط، بل صاحب قدرة تجييرية مؤثرة بين المكاتب الكبيرة والمحامين القدامى. لذلك، فإن "تمرّده" (لا يزال رسميًا ضمن صفوف الحزب) ليس حدثًا عابرًا، بل محطة مفصلية تُظهر حجم التحدّيات التي يواجهها الحزب، ودليلًا صارخًا على التشرذم الداخلي الذي تعجز قيادة الصيفي عن ضبطه منذ أكثر من عامين.

وإلى جانب التشتّت داخل القاعدة الكتائبية، تشير تحليلات بعض الماكينات إلى أنّ التحالف المبكر مع ثنائي أمل وحزب الله أضرّ ببازرلي أكثر ممّا أفاده، وكان من الأجدى اعتماد "إستراتيجية 2023"، حين امتنع الثنائي عن حسم خياراته في الدورة الأولى قبل أن يصبّ أصواته لمرشّح الكتائب فادي المصري في الدورة الثانية. وقد استغلّ "القواتيون" التحالف المبكر لتعبئة الشارع المسيحيى والتسويق بأن بازرلي هو "مرشّح الثنائي" والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي، "قاتل بشير الجميّل"!

وإلى ذلك، أثّر في حظوظ بازرلي الأداء المخيّب للنقيب المصري في محطات أساسية دفاعًا عن حقوق المحامين (مثل إقفال السجل في بعبدا أو أزمة الطوابع) وغياب أي تحسينات وعدم إجراء التدقيق المالي، ما دفع كثيرين إلى التصويت لمارتينوس تعبيرًا عن رفض للأداء الذي وسم المرحلة السابقة، أكثر منه تبنّيًا لمرشّح معراب، ولا سيّما أن مارتينوس حرص على تمييز ماكينته عن ماكينات "القوات" وتأكيد استقلاليته، ونجح في مخاطبة طموحات المحامين المعترضين على مجلس النقابة السابق، ما أدّى إلى استمالة المستقلين والمنتسبين الجدد إلى النقابة.

خسارة الثنائي

في مقابل التشرذم الكتائبي لم يكن وضع حلفاء الصيفي أفضل. فقد أثبت حزب الله وحركة أمل، في السنوات الماضية، عجزهما عن رسم إستراتيجيات فعّالة أو إتقان اللعبة الانتخابية داخل نقابة باتت عصيّة عليهما، خصوصًا بعد أكثر من 12 عامًا على غياب التمثيل الشيعي عن مجلسها. هذا الفشل سبق أن قاد "أمل" قبل عامين إلى اتّخاذ إجراءات عقابية بحق عدد من المحامين لعدم الالتزام بالقرارات الحزبية.

لذلك، لم يكن "التفلّت" داخل قاعدة "أمل" مفاجئًا. ولم يمنع تلويح أحد المسؤولين، قبل يومين من الانتخابات، بإجراءات عقابية مماثلة، خروج كثيرين عن الانضباط اعتراضًا على ترشيح محامية سنّية، بعد سنوات طويلة من غياب الطائفة عن المجلس. علمًا أن هذا الترشيح أزعج أيضًا حزب الله الذي قبِل به على مضض قبل أن يدعم مرشّحة أخرى هي سهى الأسعد.

وهذا، بحسب المتابعين، لم يكن خيارًا صائبًا، إذ إن دعم مرشّحتين للمنصب نفسه أدّى إلى تشتيت الأصوات، في ما كان الأجدى بالثنائي الالتفاف حول مرشّح واحد وعقد التحالفات على هذا الأساس. ويرى هؤلاء أنّه لو دعم الحزبان مرشّحًا شيعيًا مستقلًا يتمتّع بقاعدة وازنة داخل النقابة، لكانت فرصة كسر الغياب الشيعي شبه مؤكّدة. لكنّ ما حصل أفضى عمليًا إلى أزمة في التجيير والإقبال معًا، حتّى بدا وكأنّ "الثنائي" استسلم للواقع واكتفى بدور المساند الذي يمدّ الحلفاء بالأصوات من دون القدرة على إيصال مرشّح واحد إلى المجلس، علمًا أنّ عدد المقترعين الشيعة تخطّى الألف من أصل خمسة آلاف ناخب، توزّعت بين المرشّحين للعضوية وحتّى بين المرشّحين على مركز النقيب.

إخفاق مدوٍّ للمستقبل

على المقلب الآخر، جاءت خسارة "المستقبل" أكثر دويًا، بعدما وجد نفسه في "اللحظة الأخيرة" بلا أي تحالف جدّي مع القوى الحزبية الأخرى. فقد رفضت "القوات" منح أصواتها لمرشّحه إلى العضوية، توفيق النويري، إلا مقابل التزام علني من "التيار الأزرق" بدعم مارتينوس والحشّاش من الدورة الأولى، وهو ما رفضه "الحريريون" التزامًا بتفاهمهم مع التيار الوطني الحر، بعد دعم "العونيين" لمرشّحهم إلى مركز النقيب في انتخابات نقابة المحامين في الشمال. ورغم أنّها الخسارة الأولى للمستقبل منذ أكثر من 23 عامًا، يدرك قياديوه أنّ ثمن إيصال النويري كان نقض تحالفهم مع "التيار"، ما سيكلّفهم أثمانًا سياسية في الاستحقاقات المقبلة.

وكانت النتيجة المباشرة لخسارة الثنائي والمستقبل، اللذين راهنا على الصيفي، خروج الأعضاء المسلمين من مجلس النقابة بالكامل، باستثناء العضو الدرزي الذي فاز بدعم الحزب التقدمي الاشتراكي و"القوات" والكتائب. وهكذا سُجّلت واحدة من المرّات النادرة التي يُضرب فيها العرف المتّبع للحفاظ على الميثاقية، والقاضي بوجود ثلاثة أعضاء مسلمين داخل المجلس.

المستقلّون: "القوّة الصامتة" في النقابة

أثبتت انتخابات نقابة المحامين أنّ الكلمة الأقوى تبقى للمستقلين، الذين أسهموا للمرة الأولى في تاريخ النقابة برفع عدد المقترعين إلى أكثر من 5 آلاف من أصل 7 آلاف محامٍ سددوا اشتراكاتهم. وقد انعكس هذا بوضوح في فوز النقيب الجديد عماد مارتينوس، الذي نجح في جذب المستقلين والساعين إلى إصلاحات حقيقية داخل النقابة.

وهذا ما أثبته أيضًا فوز المرشّح المستقل وجيه مسعد الذي فاز بعضوية مجلس النقابة حاصدًا 1755 صوتًا من دون أي دعم حزبي. ولعل ما يميّز مسعد هو أنّه، خلافًا لزملائه، لم يعتمد على "الغدوات والعشاوات" طوال الموسم الانتخابي، بل اتبع تكتيك الـ"Man - to - Man" المباشر مع زملائه.

إلى جانب مارتينوس ومسعد، يبرز المرشّح الشيعي المستقل وسام عيد كدليل إضافي على "القوّة الصامتة" للمستقلين. فعيد، غير المحسوب على أي طرف سياسي ومن دون أي تحالفات، نجح منفردًا في استقطاب المقترعين ليحصل على 1688 صوتًا، متقدّمًا بذلك على المرشّحين المدعومين من الثنائي و"المستقبل".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد