ساندي بو يزبك (صحيفة الجمهورية)
لطالما كانت اللحوم الحمراء محوراً لجدل كبير في الأوساط الصحية والغذائية. فبينما يرى البعض أنّها مصدر أساسي للبروتين والحديد، يُحذِّر آخرون من ارتباطها بمخاطر الأمراض المزمنة. هذا الجدل يجد ضوءاً جديداً ومعمّقاً في أحدث الأبحاث المنشورة، إذ تكشف عن علاقة دقيقة بين تناول اللحوم وارتفاع مؤشرات الالتهاب.
نُشرت نتائج المراجعة المنهجية والتحليل التجميعي الشاملة في المجلة العلمية النقدية في علوم الأغذية والتغذية. وهدفت الدراسة إلى توفير نظرة شاملة حول تأثير تناول اللحوم الحمراء على المؤشرات الحيوية للإلتهاب والوظيفة المناعية لدى البالغين. لتحقيق ذلك، جمع الباحثون وحلّلوا بيانات من 22 تجربة سريرية عشوائية (RCTs) شملت 1152 بالغاً، بالإضافة إلى 10 دراسات قائمة على الملاحظة شملت أكثر من 438 ألف بالغ.
العلاقة مع البروتين التفاعلي
كشفت النتائج الرئيسة أنّ تناول اللحوم الحمراء يرفع بشكل ملحوظ مستوى البروتين التفاعلي، وهو مؤشر التهاب رئيسي في الجسم. يُعتبر ارتفاع مستويات CRP دليلاً على وجود التهاب مزمن منخفض الدرجة، وهو عامل خطر للعديد من الأمراض غير السارية، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية، السكّري من النوع الثاني، متلازمة الأيض، وبعض أنواع السرطان.
الجانب الأكثر أهمية الذي أبرزته المراجعة هو الطبيعة المنفردة لتأثير اللحوم. فقد أكّدت النتائج أنّ هذا التأثير لم يكن موحّداً في جميع المجموعات التي شملتها الدراسة.
كما وجدت الدراسة أنّ الزيادة في مؤشرات الإلتهاب كانت أكثر وضوحاً في مجموعات معيّنة. ويشير هذا إلى أنّ تأثير اللحوم الحمراء على الالتهاب قد يتأثر بعوامل فردية مثل:
- الحالة الصحية الأولية للفرد: هل يعاني الشخص من مقاومة للأنسولين أو سمنة أو أي حالة أيضية سابقة؟\
- عوامل نمط الحياة الأخرى: مثل مستوى النشاط البدني ونوعية النظام الغذائي الكلي.
هذا يعني أنّ الجسم يستجيب لبعض الأطعمة بناءً على حالته الصحية والغذائية، ممّا يدعم فكرة التغذية الشخصية. فليست قطعة اللحم بحدّ ذاتها هي المشكلة، بل كيف يتفاعل معها جسم معيّن ضمن نظام غذائي محدّد.
التوصيات المستخلصة
تدعم هذه النتائج التوجّهات الحديثة التي لا تدعو إلى الحظر المطلق لمجموعات غذائية كاملة، بل إلى التوازن والاعتدال والتركيز على جودة النظام الغذائي الكلي. وتشجّع على:
- تنويع مصادر البروتين: لتقليل الاعتماد الكلي على اللحوم الحمراء، مع إدماج المزيد من البروتينات النباتية (مثل البقوليات) والأسماك.
- التركيز على الحمية الكلية: يُنصح بالإلتزام بالأنماط الغذائية الغنية بمضادات الالتهاب، مثل تلك الغنية بالخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، الدهون الأحادية والمتعدّدة غير المشبّعة.
وتوفّر الدراسة دليلاً قوياً على أنّ التحكّم في تناول اللحوم الحمراء، خصوصاً للأفراد الأكثر عرضة لخطر الأمراض المزمنة، يمكن أن يكون خطوة وقائية هامة لتقليل الالتهاب الجهازي وتحسين الصحة العامة.