ندى عبد الرزاق (صحيفة الديار)
في لبنان اليوم، نحو 500 ألف طفل خارج المدرسة، وأكثر من 80% منهم من غير اللبنانيين، لا يذهبون إلى مقاعد التعليم الرسمي، وفق تقرير يونيسيف منتصف عام 2025 حول الوضع الإنساني في لبنان (UNICEF, Lebanon Humanitarian Situation Report No. 4, Mid-Year 2025). ورغم جهود إعادة 387 ألف طفل إلى المدرسة ضمن خطط الطوارئ، تبقى الفجوة هائلة، حيث يشير التقرير نفسه إلى أن حوالى 25% من الأطفال في بعض الفئات العمرية لا يأتون إلى المدرسة. وفي صفوف الأطفال واليافعين اللاجئين، يواجه نحو 27% منهم عقبات جدية تحول دون انتظامهم في التعليم (UNHCR, Lebanon Education Sector Strategy, 2025).
في جميع الأحوال، تعرض "الديار" هذه الأرقام في اليوم العالمي للطفل، باعتبارها ليست مجرد إحصاءات، بل مؤشّر صارخ على هشاشة هذه الشريحة: أطفال معرضون اليوم للانقطاع عن التعليم، والتحرّش، والاستغلال، وحتى الاعتداءات المروعة. وقد شهد لبنان في السنوات الأخيرة، حوادث اغتصاب وقتل للأطفال، وحتى في الشهر الفائت، استيقظ المجتمع على فاجعة اعتداء من راشد على طفلة لا تتجاوز التاسعة. لذا، الطفولة لم تعد مجرد مرحلة للحماية والنمو، بل صارت صراعا يوميا من أجل البقاء، في وقت تتباطأ فيه جهود المجتمع والسلطات عن سد هذه الفجوة المقلقة.
واستنادا إلى ما تقدّم، لا بد من الإشارة إلى أن الدولية للمعلومات كشفت لـ "الديار" أنها لا تملك بيانات حديثة حول التسرب المدرسي للطلاب اللبنانيين، ومع ذلك فإن معدل الأميّة قبل عامين في لبنان وصل الى 7.6% في حين بلغ التسرّب المدرسي بلغ 52%. كما ذكرت اليونيسيف أن شريحة من هؤلاء الأطفال يتركون التعليم بعد سن معينة، غالبا من 14 عاما وما فوق، لمساعدة أهاليهم في المصروف.
الادارات الرسمية اول المعنيين!
وفي هذا الإطار، توضحُ المديرةُ التنفيذيّةُ لجمعيّةِ AFEL، السيّدةُ أملُ فرحات، لـ "الديار" أنَّه: "من الضروريِّ وضعُ سياسةٍ اجتماعيّةٍ واضحةٍ وشاملةٍ تجمعُ بين مختلفِ الوزاراتِ والهيئاتِ المعنيّة، وذلك بهدفِ تحقيقِ حمايةٍ فعليّةٍ للأطفال".
وتشيرُ: "تشملُ هذه السياسةُ عدّةَ محاورَ رئيسيّة:
- منعُ التسرّبِ المدرسيّ من خلالِ تطبيقِ إلزاميّةِ التعليم، وضمانِ توفيرِ البيئةِ المدرسيّةِ الملائمةِ لجميعِ الأطفال.
- حظرُ عملِ الأطفالِ في سنٍّ مبكرةٍ، وتطبيقُ العقوباتِ الرادعةِ على المخالفين لمنعِ تكرارِ الانتهاكات.
- توفيرُ الحمايةِ الاجتماعيّةِ ودعمُ الأسرِ التي تعيشُ ظروفا اقتصاديّةً هشّة، بما يضمنُ عدمَ إجبارِ الأطفالِ على العمل أو الانقطاعِ عن التعلّم.
- تعزيزُ الوقايةِ من خلالَ بناءِ أسسِ تدخّلٍ مبكرٍ ومستمِرّ، وتوعيةُ الآباءِ والأطفالِ بحقوقِهم في مختلفِ المجالات (التعليم، الصحة، الحماية، اللعب، المشاركة).
- تنسيقُ الجهودِ بينَ الوزاراتِ (التعليم، الصحة، الشؤون الاجتماعيّة، العدل، العمل) لضمانِ تكاملِ الخدماتِ ومتابعةِ تنفيذِ الإجراءاتِ بشكلٍ فعّال".
وتشدد في الختام على: "إنَّ اعتمادَ هذه السياسةِ من شأنِه أن يُحوِّلَ الالتزامَ النظريَّ بحقوقِ الطفل إلى واقعٍ ملموس، يقي الأطفالَ من المخاطر، ويضمنُ لهم بيئةً آمنةً ومواتيةً للنموِّ والتعلّم".
الحقوق ليست امتيازاً!
من جهة أخرى، تؤكد قرى الأطفال SOS إيمانها بأنَّ كل طفلٍ يستحق أن يكبرَ بأمانٍ، وبمحبّةٍ، وبكرامةٍ، إذ إنَّ الطفلَ لا يتطلب الكثيرَ لينمو، بل يحتاج فقط إلى من يسمعه، ويطمئنه، ويؤمن به.
وتوضّحُ لـ "الديار" أنّ: "حاجاتُ الطفلِ اليوميةِ ليست كماليّات، بل هي حقوقُه لتأمينِ مستقبلٍ مزدهر. فالطفلُ يحتاجُ إلى من يسمعُ ضحكته ويفهمُ مخاوفه، ويستلزم بيئةٍ يكبرُ وينمو فيها. كما يحتاجُ إلى فرصٍ ليتعلّم، ليلعب، ليجرّبَ، وليعيدَ المحاولةَ بلا خوف. لذلك، في جمعيّةِ قرى الأطفال SOS، ننظرُ إلى الطفلِ نظرةً شاملة:
نرى يومياته، تفاصيله الصغيرة، طريقته في فهم العالم، والأثر الكبير الذي تتركه كلُّ كلمةٍ تشجيعٍ أو لحظةٍ دعمٍ في قلبه.
نلاحظ كيف تتكوّن شخصيّته من خلال التجارب الأولى في حياته.
نشاهد كيف تتحوّل الثقة التي يكتسبها يوما بعد يوم إلى قدرةٍ كبيرة على مواجهة المستقبل".
اين أطفال لبنان من هذه الضروريات؟
وتتابع: "نعرف كخبراء أنّ الأمانَ العاطفيّ هو أساسٌ للنموِّ الصحيّ، وأنَّ اللعبَ والفرحَ هما أسلوبُ الطفلِ لفهمِ الحياة. يكبرُ واثقًا بنفسه، قادرا على اكتشاف قدراته، ومؤهّلًا ليكون فردا إيجابيا في مجتمعه. ومن هذا المنطلق، نحن ملتزمون يوميا بحماية حقوق الطفل الأساسية التي تشكّل حاجاته الحقيقية في الحياة:
• الحق في الحماية من جميع أنواع العنف والإهمال ليعيش طفولته بلا خوف.
• الحق في التعليم ليحلمَ ويتقدّم.
• الحق في بيئةٍ محبّةٍ وثابتةٍ تسمح له بأن يكبرَ بثقة.
• الحق في التعبير لأن صوته مهمٌّ ولو كان صغيرا.
• الحق في الصحة والأمان ليعيش حياةً كاملةً وسليمةً".
وتضيف: "ندرك هذه المستحقات في كل موقف يومي: في دعم واجباته المدرسية، في جلسة استماع لقلقه، في إظهار الحب والاطمئنان، أو في توفير مساحةٍ آمنةٍ للعب".
وتبين ان: "كلُّ تفصيلٍ من هذه التفاصيل يصنع فرقا حقيقيا في حياة الطفل. كما نؤمن بأنّ الطفل الذي يحظى برعايةٍ داعمةٍ اليوم، يصبح بالغا قادرا على الحب، والعطاء، وبناء المجتمع الذي نحلم به جميعا. من هنا، يبدأ مستقبل أي بلدٍ من كيفية تعامله مع أطفاله. فإذا قمنا بحماية طفولتهم، سنحمي مستقبلهم، ونضمن مجتمعا أقوى".
وتنوه في الختام بأنّ: "في لبنان، تبقى جمعيّة قرى الأطفال SOS الرائدة في حماية الطفل وسياسات الرعاية الأسرية البديلة. نعمل وفق معايير عالمية، ندرب فرقنا باستمرار، ونضمن جودة الرعاية لأن الطفل يستحق الأفضل دائما. من هنا نوسّع تأثيرنا خارج القرى، عبر توعية الأهل، وتمكين الأسر، وبناء تحالفات مع المنظمات والشركاء. فحماية الطفل مسؤولية وطنية، ولا يمكن أن تتحقق إلا عندما نتكاتف جميعا. في هذا اليوم، نحتفل بالطفل بضحكته، بحلمه، ومن حقّه أن يعيش طفولته كما يجب أن تكون: طفولةً آمنةً، محبّةً، وزاهرةً بالفرص".