شارل أبي نادر / موقع العهد الإلكتروني
ضمن مسلسل لم ينقطع من الاعتداءات الغادرة، في جنوب لبنان أو في ضاحية بيروت الجنوبية أو في مناطق لبنانية أخرى، وفي مسار ممنهج من الاغتيالات الحساسة والاستثنائية لقادة ومسؤولين من المقاومة الإسلامية في لبنان أو من المقاومة الفلسطينية، نفذت "إسرائيل"، يوم أمس، عملية اغتيال دقيقة للقائد الجهادي الكبير هيثم الطبطبائي (أبو علي) وأحد المسؤولين العسكريين الأوائل في حزب الله، وذلك في ضاحية بيروت الجنوبية - منطقة حارة حريك، والذي استشهد مع ثلة من مرافقي دربه الجهادي المقاوم، بعد استهداف مكان وجودهم بغارة جوية نفذتها إحدى قاذفاته الحربية.
صحيح أن هذا العدوان يدخل في ضمن مسار مفتوح، لم توقفه او تعلّقه "إسرائيل" منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، ولاحقًا مع انطلاق معركة "أولي البأس"، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في نهاية العام 2024، الّا بما يرتبط بالتوقيت المناسب والكافي لحصولها على المعطيات الاستعلامية الخاصة بأهداف اعتداءاتها، لناحية قادة المقاومة وكوادرها أو لناحية منشآت تدعي أنها أساسية في بنية حزب الله العسكرية. ولكن يحمل هذا الاغتيال الأخير للشهيد القائد أبو علي الطبطبائي أبعادًا مختلفة من هذا المسار، يمكن الإضاءة عليها في الشكل الآتي:
لناحية المكان :
حصل الاغتيال في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد انقطاع طويل لتنفيذ "إسرائيل" اعتداءاتها على منطقة ملاصقة للعاصمة اللبنانية بيروت. هذا الأمر كسر ذلك الانقطاع، وأعاد مروحة الاعتداءات إلى محيط العاصمة، في تجاوز نافر للخطوط كلها التي كان يبدو أنها التزمت بها في المرحلة الأخيرة.
لناحية موقع الشهيد :
صحيح، أيضًا، أن حزب الله بطبيعة تركيبته العسكرية والأمنية والفكرية "ولّاد" أو "خلّاق"- وهذه العبارة ذكرها الشهيد " الطبطبائي" حرفيًا- ومن مدة غير بعيدة كما يبدو، وذلك بعد نشر الإعلام الحربي في المقاومة لمقتطفات من أقواله بعد استشهاده، يوم أمس، الأمر الذي يؤكد لأن غيابه المادي عن ميدان المواجهة وعن سلسلة القيادة العسكرية للمقاومة لن يكون ذي تأثير كبير على مسار التعافي الذي انطلق به حزب الله بعد الحرب الأخيرة وبعد الاستهدافات النوعية التي تعرض لها.
لكن يبقى للقائد الشهيد رمزية استثنائية، في وجدان المقاومة، قيادة وكوادر ومقاتلين، كونه عاصر الغالبية من قادة المقاومة خلال مرحلة كاملة من عملها الجهادي في مواجهة الاحتلال واعتداءاته المتواصلة. وكان لوجوده على رأس الهرمية العسكرية، مؤخرًا، دور مؤثر ودافع ومحفّز، لا يمكن تجاوزه، نظرًا إلى ما كان يحمله في جعبته من خبرات وتجارب، اكتسبها من مرافقته الجهادية لقادة المقاومة الفاعلين والخلّاقين، أمثال: الشهيد عماد مغنية وفؤاد شكر ومصطفى بدر الدين وغيرهم.. واكتسبها، أيضًا، من أغلب المعارك والمواجهات والعمليات التي شكّلت ذخيرة أساسية في نفس المقاومة وروحها وقوتها، والتي كانت محطات فاصلة في الصراع ضد الاحتلال "الإسرائيلي" قبل التحرير في العام ٢٠٠٠، وبعده في كل مفاصل المواجهات ضد العدو.
لناحية التوقيت:
أيضًا، جاء هذا الاغتيال في توقيت مفصلي حساس.
أولا ً: كونه أظهر بوضوح التعنت "الإسرائيلي" أمام الصراخ الذي يطلقه المسؤولون اللبنانيون يوميًا عن استعدادهم للتفاوض مع العدو "الإسرائيلي"، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ثانيًا: لناحية عرقلة أو خربطة الدفع الواضح الذي تعمل به إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتجاه إكمال تطبيق البنود العشرين أو قرار مجلس الأمن الرقم ٣٠٨٣ الأخير عن غزة، أو باتجاه إيجاد مخرج مناسب لسياستها في لبنان، عبر فرض اتفاق بينه وبين كيان الاحتلال، ليأتي هذا الاغتيال الغادر من العدو "الإسرائيلي"، ليقضي أولاً على المسار التسووي الذي كان يمكن أن تدخل به المنطقة ولبنان وغزة أيضًا، وليضع الأمور في إطار مختلف وخطير، يمكن عدّه، ومن خلال جسامة وحجم عملية اغتيال القائد الشهيد هيثم الطبطبائي"، ما يشبه عملية استدراج واضحة لحزب الله لكي يردّ على عملية الاغتيال هذه، الأمر الذي يجد فيه العدو "الإسرائيلي" الفرصة الثمينة والمؤاتية لإطلاق يده في تنفيذ حرب خاطفة، يعطيها عنوان "أيام قتالية"، يتابع من خلالها عدوانه واستهداف ما كان يعدّ، في مكان ما، أنه تخلّف عن استهدافها قبل أن يدخل مرغمًا في اتفاق وقف إطلاق النار، مع نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2024 .