اوراق مختارة

اليوم الدولي لمكافحة الفساد: التزام قانوني وأخلاقي للمحامين والمجتمع

post-img

المحامي عمر محمد زين (صحيفة البناء)

في اليوم الدولي لمكافحة الفساد 9 كانون الأول، نتوقف جميعاً أمام مسؤوليتنا الجماعية والفردية لمواجهة الظاهرة التي تهدّد أسس العدالة، وتهدر الموارد العامة، وتضعف الثقة بين المواطن والدولة.

فالفساد لا يقتصر على سرقة المال العام، بل يشمل كل استغلال للسلطة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الصالح العام، وهو بذلك يشكل خطراً مباشراً على استقرار المجتمع وسلامته.

فالفساد ليس مجرد مخالفة قانونية، بل هو انتهاك للقيم الأخلاقية والاجتماعية التي تقوم عليها المجتمعات. وهذا الانتهاك يخلق فجوة بين النصوص القانونية والواقع الاجتماعي، حيث يفقد القانون مصداقيته إذا لم تُطبَّق العقوبات بفعالية على المتورّطين.

من منظور قانوني، يُعتبر مكافحة الفساد جزءاً لا يتجزأ من واجب المحاميين والمواطنين على حدّ سواء، فهو لا يقتصر على إدانة الأفعال الفردية، بل يمتدّ إلى كشف منظومات التواطؤ والصمت التي تسمح له بالاستمرار. والمحامون يتحمّلون مسؤولية مضاعفة، فهم ليسوا فقط ممثلين للمتضرّرين، بل حراس للعدالة والشفافية، ويجب عليهم استخدام أدواتهم القانونية للكشف عن التجاوزات ومحاسبة المسؤولين.

ولعلّ أهمّ الإطار القانوني الذي يدعم هذا الالتزام هو الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2003، والتي تُلزِم الدول الأطراف بوضع تشريعات وطنية فعالة لردع الفساد، وضمان مساءلة المسؤولين، وتعزيز الشفافية في الإدارة العامة.

وتؤكد هذه الاتفاقية على ضرورة التنسيق الدولي بين أجهزة التحقيق، وتبادل المعلومات، وتوفير التدريب اللازم للكوادر القضائية لضمان تنفيذ القانون بفعالية.

كما لا يمكن إغفال الاتفاقيات الإقليمية، مثل الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد لعام 2010، والتي تشدّد على ضرورة تضافر جهود الدول العربية لتبادل المعلومات، وتعزيز التعاون القضائي، ومحاسبة الفاسدين على كافة المستويات. فهذه الاتفاقية تمثل إطاراً قانونياً قوياً لحماية المال العام والحق العام، وتشكل مرجعاً للدول في سن قوانين وإجراءات وطنية تتوافق مع المعايير الدولية.

ومن وجهة نظر المحامي، فإنّ دورنا يتجاوز الدفاع عن القوانين إلى المشاركة الفعلية في تعزيز ثقافة النزاهة، وحماية المصلحة العامة، ومطالبة السلطات بالشفافية والمساءلة. فالمحامون يجب أن يكونوا صوت الحق والعدالة في مواجهة الفساد، وأن يعملوا على تعزيز الوعي القانوني بين المواطنين، لتمكين المجتمع من رفض أيّ شكل من أشكال الفساد وممارساته.

إنّ مكافحة الفساد تتطلب منا جميعاً، كمحامين ومواطنين، أن نتخذ من القانون والأخلاق والتعاون الدولي مرجعاً ثابتاً في مواجهة هذه الظاهرة. ولذلك فإنّ العمل الفردي والجماعي على تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد يجب أن يكون جزءاً من كلّ سياسات الدولة وبرامج المجتمع المدني، لضمان مستقبل أكثر عدالة واستقراراً.

المسؤولية ليست فقط جنائية أو إدارية، بل هي مسؤولية أخلاقية واجتماعية تُلزمنا جميعاً بالوقوف صفاً واحداً ضدّ أيّ إساءة للسلطة أو استغلال للمال العام. وبذلك يصبح الالتزام بالقوانين والمعاهدات ليس مجرد واجب مهني، بل واجب وطني وإنساني، يعكس التزامنا بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها الدولة والمجتمع.

وفي هذا اليوم، أؤكد أننا لا نحتفل فقط بذكرى، بل نجدّد التزامنا بالقوانين الدولية والوطنية، وبتعزيز الشفافية، ومناهضة الإفلات من العقاب، وبناء مجتمع يقوم على العدالة والنزاهة. فكل خطوة قانونية أو تشريعية نحو مكافحة الفساد هي رسالة واضحة لكلّ من يظنّ أنّ الفساد يمكن أن يمرّ دون محاسبة، وهي تأكيد على أنّ القانون ليس مجرد نص، بل أداة فعلية لحماية حقوق المواطنين والمجتمع ككل.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد