أوراق سياسية

زحمة موفدين بلا ترجمة.. لبنان بين الشروط الثقيلة والمساعدات الغائبة!.. 

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)
  
تزدحم مدارج مطار رفيق الحريري الدولي بطائرات الموفدين الدوليين الذين يمثلون بلدانا مختلفة ويحملون مهامّ متعددة، من المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى وفد مجلس الأمن الدولي، وووفد الخزانة الأميركية والمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، ومجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان، وغيرهم كثير من الموفدين العرب والأجانب الذين يأتون إما لطرح أفكار أو لتقديم نصائح أو للبدء بمبادرات تسارع "إسرائيل" إلى إجهاضها.

اللافت، أن كثافة الموفدين لا تجد ترجمة على أرض الواقع وتبقى ممنوعة من الصرف، خصوصًا أنها لم تُوقف العدوان "الإسرائيلي"، ولم تُلزم العدوّ بتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، ولم تنجح في دفعه إلى التقدم خطوة إيجابية مقابل الخطوات الكثيرة التي خطاها لبنان، كما أنها لم تحقق دعما فعليًّا ولم تقدم حلولا اقتصادية ملموسة، بل تأتي لتمارس المزيد من الضغوط على السلطة اللبنانية، ولتضاعف من حالة الإنقسام السياسي بدعم أطراف على حساب أطراف أخرى.

وفي الوقت الذي ترتفع فيه حدة الضغوط "الإسرائيلية" على لبنان، سواء عبر التهديدات العسكرية أو بالذهاب إلى حرب مفتوحة، تقف البلاد أمام ضغوط دولية موازية لتقديم المزيد من التنازلات تحت عناوين: “التهدئة وضبط النفس والالتزام بوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، ” وهي تغري العدوّ وتدفعه إلى فرض المزيد من الشروط التي تحاكي معادلة “الاستسلام وتشريع الاحتلال والمنطقة الحدودية العازلة” مقابل “الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار في البلدات التي تسمح بها إسرائيل”.

واللافت، أن المساعي الدولية للتهدئة، تتركز على لبنان فقط وتتغاضى عن "إسرائيل"، وهي تساوي بشكل غير شرعي بين المعتدي والمعتدى عليه، وتغضّ النظر عن حقيقة أن لبنان التزم بكلّ بنود الاتفاق ونفذ كلّ الشروط والمطالب، في حين أن "إسرائيل" تمردت على قرارات الشرعية الدولية ولم تلتزم بأي بند من الاتفاق وأمعنت في خروقاتها التي حصدت على مدار عام كامل ما يقارب 350 شهيدا وأكثر ألف جريح، أي ما يعادل شهيد وثلاثة جرحى في اليوم الواحد منذ 27 تشرين الثاني 2024 ولغاية اليوم إضافة إلى الاعتداءات "الإسرائيلية" على قوات اليونيفيل في الجنوب، من دون أن يحرك المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا وفرنسا الضامنتين للاتفاق ساكنا.

تتشابه زيارات الموفدين الدوليين في شكلها ومضمونها فهي تشمل الرؤساء الثلاثة وفي بعض الأحيان قائد الجيش، وتحمل نفس الطروحات التي تتمحور حول: ضرورة منع الانزلاق نحو حرب شاملة، حصرية السلاح بيد الدولة، القيام بإصلاحات مالية وإدارية عاجلة، إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتعزيز حضورها جنوبًا، من دون أن يقدم أي طرف خطة فعلية لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته الاقتصادية، أو آلية لتخفيف تبعات أعباء النزوح السوري، أو تحديد موعد لمؤتمر دعم الجيش اللبناني لتمكينه من القيام بالمهام المطلوبة منه، في ظل التعطيل الأميركي المستمر لكل المحاولات الفرنسية لتأمين عقده.

أمام هذا الواقع، يقف لبنان بين متطلبات دولية مشددة، وبين عجز داخلي عن تلبيتها في ظل التراخي الحاصل مع "إسرائيل"، ومع أن بعض المبادرات الدولية تحمل نوايا لتجنيب لبنان الحرب، إلا أن غياب الدعم الحقيقي يجعل الضغوط تبدو وكأنها محاولات لإدارة الأزمة لا حلّها، ولتثبيت الوقائع الميدانية لمصلحة "الإسرائيلي"  لا لتوفير مظلة حماية للبنان.

يمكن القول، إن زحمة الموفدين ليست بالضرورة مؤشرا إلى اهتمام دولي فعال بلبنان، بل ربما تكون انعكاسا لقلق المجتمع الدولي من انفلات الوضع جنوبًا، في ظل الغموض الذي يدور حول قدرات المقاومة وحجم الترميم الذي طال إمكاناتها العسكرية، وتأثير ذلك على الأمن الإقليمي، وبالتالي، فإن لبنان سيبقى يتلقى وعودا من دون تنفيذ، ودعما من دون ترجمة، ويتأرجح بين شروط دولية ثقيلة ومساعدات مؤجلة أو غائبة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى خطوات دولية عملانية لإخراجها من أزماتها.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد