حسن نعيم/ روائي وصحفي
لم يكن افتتاح المركز الثقافي لمدينة الهرمل حدثًا عابرًا، في تاريخ المدينة، فالمركز الذي أسس في العام ٢٠٠٨، في وسط المدينة القديمة، وعلى بعد خطوات من ساحة السبيل بعمارته الهندسية الحديثة، شكّل الرئة الثقافية التي تتنفس منها المدينة ومنارة للمعرفة والفنون وجسر عبور للمهتمين وطالبي المعرفة إلى عالم الكتب والإصدارات ومساحة دافئة للقاء الشعراء والكتّاب والفنانين التشكيليين ببعضهم البعض، كذلك للتواصل مع الجمهور المحلي بأجياله المتعاقبة.
عمل المركز، منذ تأسيسه، على أن يكون مساحة حُرّة للفكر، تحتضن الحوار والأفكار المتنوعة والكتب والإصدارات وتعليم اللغات؛ لا سيما اللغة الإنكليزية؛ لأن مدارس المنطقة ما تزال تعتمد اللغة الفرنسية وفقًا للمنهج المدرسي المعتمد من وزارة التربية اللبنانية.
في جولة داخل أروقة المركز الثقافي، نجد قاعة فخمة للندوات والأمسيات الشعرية والعروض المسرحية والسينمائية، ومكتبة عامة تضم أكثر من ٨٠٠٠ عنوان وخمس قاعات، لدورات تعليم اللغات والموسيقى وورش الرسم للأطفال.
كما يتضمن المركز مشروع المكتبة المتنقلة، والتي تحتوي ٢٠٠٠ كتاب، وهو مشروع انطلق في العام ٢٠١٢ بالتعاون بين بلدية الهرمل وبلدية Septemes les " vallons " الفرنسية. يهدف هذا المشروع إلى نشر الثقافة وتعميم روح المطالعة والقراءة في المدارس والساحات والحدائق العامة.
لقيت هذه الفكرة نجاحا لافتا، غير أنها حركتها تراجعت مع أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية. يجهد المركز اليوم على إعادة تفعيلها؛ كما يقول مدير المركز الشيخ عبد الله ناصر الدين، في حديث خاص لموقع " أوراق". ويكمل بأن معظم سكان قرى قضاء الهرمل- بعلبك زارت المكتبة، وأقامت أنشطة على هامش زيارتها، مثل "العناية بصحة الأسنان والنظافة الشخصية للأطفال"، مؤخرًا.
يضيف ناصر الدين:" أبواب المركز مفتوحة لجميع أبناء المدينة والجوار، من دون أي عوائق أو حواجز. وإمكانات المركز وتجهيزاته ليست حكرًا على أحد؛ وغاية أمانينا أن تتعمق من خلال نشاطات المركز العلاقة بين الثقافة والناس"
احتياجات الدعم والتمويل
عن الاحتياجات الحالية للمركز؛ يقول ناصر الدين : "بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان، تضاءلت الموارد المالية المخصصة للمركز بسبب انهيار القدرة الشرائية لليرة اللبنانية، وبتنا بأمس الحاجة إلى دعم يوفر أعمال صيانة للمركز؛ لا سيما التكييف والتبريد للقاعة التي تعدّ حاجة ماسة لأنشطة البلد المختلفة". .. ويؤكد:" كما أننا بحاجة إلى مواكبة الإصدارات الحديثة، من خلال زيارة معارض الكتب، لاسيما معرض بيروت الدولي للكتاب ودور النشر. وهذه الأمور كلها مكلفة، وبحاجة إلى تمويل ولو بحدوده الدنيا".
في ختام جولتنا في المركز الثقافي لمدينة الهرمل؛ نلتقي مجموعة من الطلاب الثانويين مع معلم مادة الرياضيات الذي يشرح ما استعصى على أفهامهم في صفهم المدرسي.. وفتاة جامعية تحمل كتابا بيدها، وتهم بالخروج من المكتبة، نسألها عن مدى إفادتها من المكتبة العامة فتجيب: "حتى الآن قرأت أكثر من ١٠٠ عنوان، من خلال برنامج الإعارة الذي توفره المكتبة العامة التابعة لمركز القراء في المدينة".
يبقى أن المركز الثقافي لمدينة الهرمل ومكتبته العامة، والتي تعدّ من المكتبات القليلة الصامدة في لبنان، كغيره من المراكز والمؤسسات الثقافية المتبقية في البلد، ليست أبنية صماء كئيبة وإنما واحات خضراء للكلمة الحرة والحوار.. وهي روح البلد وهويتها.. فهل ندرك أن الحفاظ على هذه المراكز هو دفاع عن هويتنا الثقافية والحضارية ؟