اوراق خاصة

جولة السفراء جنوب الليطاني.. هيكل: أَخبروا عن عدوان "إسرائيل"

post-img

حسين كوراني

حملت الجولة التي نظمتها قيادة الجيش لعدد من السفراء والقائمين بأعمال السفارات والملحقين العسكريين العرب والأجانب في لبنان إلى جنوب نهر الليطاني، من أجل الاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة وعلى الاعتداءات "الإسرائيلية"، العديد من الدلالات السياسية والأمنية في هذه الظروف الراهنة، علمًا أنّها الثانية من نوعها بعد جولة للصحفيين قبل أيام، حيث وضعها كثيرون في إطار "التحشيد" الذي تقوم به القيادة لتأكيد قدرة ضباطها وجنودها على الإمساك بزمام الأمور، ومن أجل تفادي هجوم واسع تتوعّد به "إسرائيل".

بالفعل، اكتسبت الجولة أهمية خاصة كونها جاءت في لحظة لبنانية شديدة الحساسية، على وقع التهديدات "الإسرائيلية" المستمرّة بتوسيع الهجوم، غير المتوقف أصلًا منذ اتفاق وقف إطلاق النار، ووسط حديث عن مهلةٍ مُنِحت للبنان حتّى نهاية العام الحالي ستعمد "إسرائيل" بعد انقضائها، إلى شنّ ضربة "نوعيّة" ضدّ حزب الله، وكأنّ قيادة الجيش أرادت استباق أيّ "خديعة" من هذا النوع، فنقلت النقاش من صفحات التقارير إلى الميدان.

وإذا كانت رسائل الجيش واضحة في هذا السياق، بحيث عرض ما أنجزه وما يقدر على إنجازه، وذهب لحدّ تحديد "سقف الممكن" أمنيًا وقانونيًا وسياسًا، فإنّ السؤال الذي يُطرَح يتمحور حول ما ينتظره الجيش في المقابل، ولا سيما أنّ هذه الجولة جاءت بالتوازي أيضًا مع حراك دبلوماسي لافت، بدأ في القاهرة، ويُستكمَل هذا الأسبوع في الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء المصري، فضلًا عن اجتماع باريس المنتظر بعد يومين والمخصص لدعم الجيش، فهل تحقق الجولة غاياتها؟!

ما هي الرسالة التي أراد الجيش أن يوصلها؟

أكد قائد الجيش العماد رودولف هيكل أنّ "الهدف الأساسي للمؤسسة العسكرية هو تأمين الاستقرار، في ما يستمرّ الاحتلال "الإسرائيلي"  لأراض لبنانية بالتزامن مع الاعتداءات المتواصلة"، مشيرًا إلى أنّ "هدف الجولة تأكيد التزام الجيش بتطبيق القرار 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية، وتنفيذ المهمات الموكلة إليه، وذلك رغم الإمكانات المحدودة"، لافتًا إلى أنّ "الأهالي، كما جميع مكونات المجتمع اللبناني، يثقون بالجيش".

وعَرض العماد هيكل بالخرائط والصور لمراحل عمل الجيش جنوب الليطاني، وردّ على أسئلة حول العقبات، وكان السؤال الأبرز عمّا إذا كان حزب الله أو سواه، يعيق الجيش، وهل ما زالت المقاومة تتحرك، ولماذا يرفض الجيش تفتيش المنازل والممتلكات الخاصة؟.

فردّ قائد الجيش بأن "العائق الأساسي هو "إسرائيل" التي تستمر في اعتداءاتها وتنتهك يوميًا اتفاق وقف إطلاق النار". واستفاض في تعداد المساحات التي احتلتها بعد وقف إطلاق النار. وأضاف أن "المرحلة الثانية، مرتبطة بنتائج المرحلة الأولى، ومدى تجاوب العدوّ "الإسرائيلي" مع ضغوط الدول الراعية لوقف اعتداءاته والانسحاب من النقاط المحتلة". وطالب هيكل "سفراء الدول الشقيقة والصديقة بالكشف عن الاعتداءات "الإسرائيلية" المستمرة، سواء بالغارات أو بالاحتلال، طالبًا دعم دولهم في الضغط عليها".

وعليه، لا يمكن اعتبار جولة الدبلوماسيين رحلة سياحية في قرى القطاع الغربي التي تشرف على بحر الناقورة، إذ إنّ الجيش أراد أن يوجه من خلالها سلسلة رسائل أهمّها، أو ربما أكثرها مباشرة، أنه أولًا حاضر في جنوب الليطاني، ويتحرك بجدية، ويقوم بإجراءات ميدانية واضحة، من تفتيش ومصادرة ومتابعة، ضمن ما تسمح به الظروف.

يتقاطع ذلك مع رسالة ثانية توجّهها المؤسسة العسكرية للدبلوماسيين، فعندما يتعمّد الجيش إظهار أنفاق أو مخازن أو مواقع كانت مرتبطة سابقًا بالبنية العسكرية لحزب الله، فهو يحاول تثبيت فكرة أنّ الحديث عن حصرية السلاح ليس نظريًا بالكامل، وهناك خطوات تُنفّذ على الأرض، ولو ببطء، وضمن حدود دقيقة. 

وهكذا يكون الجيش قد ردّ ضمنًا من خلال هذه الجولة على الانتقادات والاتهامات التي طاولته في الآونة الأخيرة، خصوصًا في الخارج، بأنّ ما يقوم به لا يكفي، أو أنه يتلكأ، كما أنّه شدّد على "ثابتة" مهمّة بالنسبة للمؤسسة العسكرية، وهي منع تحويل الجيش إلى "أداة" في صراعات داخلية.

ماذا ينتظر الجيش من السفراء؟

على أهمية الرسائل التي أراد الجيش توجيهها إلى الدبلوماسيين، ومن خلالهم إلى المجتمع الدولي، فهو بلا شكّ ينتظر منهم في المقابل، تحرّكًا يستند إلى ما عاينوه بأنفسهم، من أجل نقل الصورة كما هي إلى عواصمهم، بما يتيح أن يتحول "التفهّم" إلى دعم ملموس. ولعلّ الرسالة الأولى هنا واضحة، وقوامها أنّه إذا كانت هناك رغبة فعلية في تثبيت الهدوء، يجب أن يكون الضغط على "إسرائيل" جزءًا من المعادلة، لا أن يبقى المطلوب من لبنان فقط أن يقدم التنازلات أو أن ينفّذ خطوات تحت النار.

بالمحصلة، وأمام هذا الكمّ من الرسائل، فهل يتحول ما سمعه الدبلوماسيون على الأرض إلى دعم وضغط متوازن… أم يبقى مجرد "استماع"؟.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد