اوراق خاصة

عيد الميلاد في لبنان.. فرح بلا مرح

post-img

محمد باقر ياسين

مع اقتراب عيد الميلاد المجيد، لا تعكس الحركة في الشوارع والأسواق اللبنانية بالضرورة انتعاشًا أو فرحًا جماعيًا، إنما تكشف واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا ضاغطًا. إذ إن الازدحام الذي يسبق الأعياد يخفي خلفه قلقًا متزايدًا بين العائلات، والتي باتت توازن بين الرغبة في الحفاظ على طقوس العيد وبين ضيق الإمكانات وتقلّبات الواقع الأمني والمعيشي.

العائلة تحت الضغط.. والعيد من منظور يومي

لم يعد عيد الميلاد مناسبة مريحة للأسر اللبنانية كما في السابق؛ فالكلفة المتراكمة لمتطلبات الحياة اليومية دفعت كثيرًا من العائلات إلى إعادة النظر في طريقة الاحتفال، أو تقليصها إلى الحد الأدنى. هذا التحوّل لا ينعكس فقط على المائدة أو الهدايا، بل يطال الجو العائلي نفسه، إذ يحاول الأهل حماية أطفالهم من الإحساس بالحرمان، في ظل تفاوت اجتماعي صار أكثر وضوحًا خلال المناسبات.

التنزّه بدل الاستهلاك وسلوك اجتماعي جديد

على الرغم من الحركة الظاهرة في الأسواق، بات التجوال من دون شراء سلوكًا شائعًا. الناس تخرج لتغيير المزاج، ولمنح الأطفال إحساسًا بأن العيد حاضر، ولو شكليًا. هذا النمط يعكس تحوّلًا اجتماعيًا في معنى الخروج نفسه، من فعل استهلاكي إلى محاولة للتكيّف النفسي مع واقع اقتصادي لا يسمح بالكثير.

مبادرات تضامن تعوّض الغياب

في هذا السياق، برز دور البلديات والجمعيات المحلية والكنسية التي وسّعت من نشاطاتها المجانية، من قرى ميلادية وبرامج ترفيهية وتوزيع رمزي للهدايا. هذه المبادرات، وإن لم تعالج جوهر الأزمة، إلا أنها تسهم في تقليص الشعور بالعزلة، وتعيد للعيد بعده الاجتماعي، لاسيما بين الأطفال الذين يشكّلون الفئة الأكثر تأثرًا بأي تقليص في طقوس الفرح.

شجرة الميلاد رمز للفرح أم عبء مالي؟

تظهر الأرقام، بوضوح، كيف انعكست الأزمة الاقتصادية على الحياة الاجتماعية. إذ مع بلوغ معدّل التضخّم حدود 15%، وتآكل القدرة الشرائية، باتت حتى رموز العيد موضع حساب. إذ تتراوح أسعار شجرة الميلاد بين 25 و130 دولارًا، أي ما يعادل نسبة تتراوح بين 10 و40% من الحد الأدنى للأجور، من دون احتساب كلفة الزينة أو الهدايا أو مستلزمات المائدة الميلادية، ما يدفع كثيرًا من العائلات إلى الاستغناء عنها أو الاكتفاء بحلول رمزية، حفاظًا على التوازن المالي داخل الأسرة.

القطاعات الخدماتية نشاط بلا دينامية اجتماعية

القطاع السياحي والمطاعم، والذي كان تاريخيًا مساحة للتلاقي الاجتماعي في الأعياد، يشهد بدوره ركودًا نسبيًا. إذ إن الخروج بات محسوبًا بدقّة، وغالبًا ما يقتصر على زيارات قصيرة وإنفاق محدود، حتى في المناطق السياحية، يبقى الحضور خجولًا، ما يعكس تقلّص الدور الاجتماعي لهذه الأماكن في حياة الناس خلال موسم الأعياد.

العيد بكونه قيمة لا مشهدًا

وسط هذا الواقع الصعب، يحاول اللبنانيون التمسك بروح العيد بما تيسّر؛ ففي بساطة اللقاءات والمبادرات التضامنية، وفي إصرار العائلات على الحفاظ على روح المناسبة لأطفالها، يتجلّى شكل آخر من الفرح، وهو أقل صخبًا وأكثر إنسانية. عيد هذا العام قد يكون محدودًا في مظاهره، لكنه يذكّر بأن الأمل، كما العيد، لا يُقاس بالكلفة؛ بل بالقدرة على الاستمرار.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد