اوراق خاصة

بعد سعي "القوات" للهيمنة على المجلس.. بري يرفع شارة النصر

post-img

حسين كوراني

شكّلت جلسة مجلس النواب أمس ضربة مدويّة لحزب "القوات اللبنانية" بعد جوقة التحريض التي مارستها بهدف اسقاط نصابها القانوني، فالجلسة لم تكن حدثًا تشريعيًا عاديًا، بل معركة سياسية مكتملة العناصر انتهت بفوز واضح لرئيس المجلس نبيه برّي. 

وكشف انعقاد الجلسة أن ميزان القوى داخل البرلمان لا يزال يسمح للرئيس بري بإدارة اللعبة التشريعية والتحكم بتوقيتها، رغم محاولات التعطيل والانسحاب التي قادها رئيس "القوات" سمير جعجع ونواب كتلته النيابية.

ومما لا شك فيه أن جعجع دفع ثمن عمليات الابتزاز السياسي التي لجأ اليها، حيث حاول أن ينصّب نفسه مرشدا أو راعيا للنواب المسيحيين والسنّة على حد سواء، مستخدمًا عبارات شكلت إساءة واضحة لهم، بوصف من سيحضر الجلسة بـ"الشيطان الأخرس الساكت عن الحق"، وبتوصيف مجلس النواب بـ"المزرعة"،، الأمر الذي أدى إلى ردّات فعل غاضبة حملت النواب إلى المشاركة في الجلسة التشريعية، فضلًا عن تأكيد النواب السنّة على أن "أحدا لا يمكن أن يفرض عليهم أي موقف أو سلوك، أو أن يتحكم بهم".

وفي التفاصيل، انعقدت الجلسة التشريعية بمشاركة 75 نائبًا، لمتابعة جدول أعمال جلسة 29 أيلول الفائت، التي لم يقفل الرئيس بري محضرها، بعد إسقاط نصابها، وافتتحت الجلسة بطرح اتفاقية قرض البنك الدولي لتنفيذ مشروع المساعدة الطارئة للبنان بقيمة 250 مليون دولار لتمويل إعادة إعمار البنى التحتية المتضرّرة جراء العدوان "الإسرائيلي"  على التصويت، لتُقرَّ بغالبية الأصوات. كما أُقرَّ مشروع قانون إلغاء القانون الذي يُجيز للحكومة إبرام اتفاقية تجنّب الازدواج الضريبي والحؤول دون التهرّب من دفع الضرائب المفروضة على الدَّخل ورأس المال بين لبنان والسودان.

وأيضًا، أقرَّ النواب مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي الذي طُرح من خارج جدول الأعمال، إلى جانب مشروع قانون مصادر تمويل الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة.

وهكذا أتت الصفعة الأولى لجعجع من تكتل "الاعتدال الوطني"، الذي سحب بنزوله إلى ساحة النجمة ورقة الأكثرية من معراب. كما شارك نواب من "قوى التغيير"، هم ياسين ياسين وملحم خلف وبولا يعقوبيان التي دخلت بعد اكتمال النصاب. ومن تكتل "لبنان الجديد"، بدا لافتًا توجيه النائب نبيل بدر سهامه نحو جعجع شخصيًا، مؤكدًا أن "كتّله "كيان سياسي مستقل، ولا نستطيع الاستمرار في إلغاء مصالح الناس وتحييدها كرمى لعيون حالة واحدة من حالات كثيرة في هذا البلد". 

وقد عبّر بدر بذلك عمّا يُحكى عن "انتفاضة سنية" على محاولة معراب مصادرة قرار نواب الطائفة، مستفيدةً من غياب الزعامة السنّية. وهو ما لم يعد خَفيًّا، وتحدّث عنه النائب جورج عقيص بوضوح مرتين، عبر قوله، إن كلّ نائب سني يترشح على لوائحهم، يتوجّب عليه الانضمام إلى تكتّلهم النيابي في حال فوزه.

الصفعة الثانية أتت من رئيس الجمهورية جوزيف عون، الذي حثّ النواب عبر نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب على المشاركة في الجلسة التشريعية، مشددًا حرصه على عدم تعطيل المؤسسات الدستورية. ويبدو أن موقف الرئاسة الأولى ينسحب على رئيس الحكومة تمام سلام، الذي ساهم في تأمين حضور تكتل "الاعتدال الوطني"، وحضر مع الوزراء الجلسة التشريعية، من دون أن يتطرّقوا إلى مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات المُرسل من قبلهم.

الخطوة الأكثر دلالة تمثلت في تحصين القوانين عبر إقفال محضر الجلسة قبل فقدان النصاب، وهي خطوة سياسية محسوبة بدقة حولت القوانين المقرة إلى نافذة حكمًا، وأقفلت الباب أمام أي محاولة لاحقة لإسقاطها أو التشكيك بشرعيتها. وبهذا المعنى، لم يكتف رئيس المجلس بإدارة الجلسة، بل أدار نتائجها مسبقًا، وأفرغ أي اعتراض لاحق من مفاعيله العملية.

وبذلك، تكون سهام القوات قد أخطأت الرؤساء، وبما أن جعجع لا يستطيع الهجوم على الموقع الماروني الأول ولا يمتلك الوسائل لذلك، وبما أنه يخشى في حال الهجوم على رئيس الحكومة أن يُغضب بعض الرعاة الإقليميين، فقد حرص على تركيز هجومه على الرئيس بري أولًا من الناحية الرسمية لما يشكله من موقع دستوري، وثانيًا كونه جزءًا من الثنائي الشيعي الذي يقود جعجع حربًا موازية للحرب "الإسرائيلية" ضدّه.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد