علي منتش (لبنان 24)
يستمر الكباش السياسي الداخلي المرتبط بإجراء الانتخابات النيابية، ولو أنّ الأطراف كلّها تحرص على إظهار العكس. فالقوى السياسية، على اختلاف مواقعها، لا تريد أن تتحمّل علنًا مسؤولية المطالبة بالتأجيل، لكنّها في الوقت نفسه تتصرّف وكأنّ المعركة الانتخابية قائمة، وتبني بهدوء أرضيتها السياسية والتنظيمية تحسّبًا لأي سيناريو. ويمكن القول إنّ الغالبية الساحقة من الأحزاب بدأت منذ فترة مبكّرة ترتيب صفوفها، سواء عبر إعادة قراءة الخريطة الانتخابية أو عبر اختبار تحالفات جديدة قد تفرضها الظروف المستجدّة.
ورغم هذه الحركة الكثيفة في الكواليس، تبقى فرضية التأجيل قائمة ومطروحة بجدّية، انطلاقًا من عاملين أساسيين. الأول يتّصل بالقانون الانتخابي الذي يحتاج إلى تعديلات قد لا يكون من السهل تمريرها في وقت قصير، خصوصًا في ظل التجاذبات الحادة بين القوى حول تفاصيل تمس مباشرة حجم تمثيل كلّ طرف. أمّا العامل الثاني فهو الواقع الإقليمي المتحرّك وغير المستقر، والذي ينعكس بطبيعة الحال على الداخل اللبناني سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.
هذا المشهد يعيد إلى الأذهان ما جرى عام 2013 حين تأجّلت الانتخابات النيابية لأسباب متعدّدة، لكنّ السبب الأبرز يومها كان غياب وضوح التوازنات الإقليمية. فالحروب في سورية والعراق كانت لا تزال في بداياتها، ومساراتها لم تكن قد اتّضحت بعد، ما جعل الذهاب إلى استحقاق انتخابي داخلي خطوة محفوفة بالمخاطر قد تعمّق الانقسامات بدل أن تنظّمها ضمن مؤسسات الدولة. وبدا حينها أنّ لبنان يفضّل الانتظار إلى أن تتبلور نتائج تلك التحوّلات الكبرى قبل إعادة تشكيل توازناته الداخلية عبر صناديق الاقتراع.
اليوم، تبدو الصورة إلى حد بعيد مشابهة. فالإقليم يعيش مرحلة انتقالية، عنوانها تبدّل التحالفات وتغيّر قواعد الاشتباك السياسي والأمني. ومن الصعب على لبنان، بتركيبته الهشّة، أن يفصل نفسه تمامًا عمّا يجري حوله. لذلك يَعتبر بعض السياسيين أنّ إجراء الانتخابات في ظل هذا الغموض قد لا يعبّر بدقة عن التوازنات الفعلية، لأنّ هذه التوازنات نفسها قد تتبدّل خلال وقت قصير.
ومع ذلك، فإنّ الرهان يبقى على انتصار منطق الدولة والمؤسسات، وعلى قدرة اللبنانيين على تثبيت المسار الديمقراطي كخيار ثابت لا يخضع للحسابات المتغيّرة. فإذا تمّ احترام المهل الدستورية وأُجريت الانتخابات في موعدها، سيكون ذلك إشارة واضحة إلى أنّ اللعبة السياسية في لبنان ما زالت محكومة بقواعد دستورية، مهما اشتدّت الضغوط الخارجية والداخلية. أمّا إذا تغلّبت الاعتبارات الأخرى، فإنّ البلد سيكون أمام مرحلة جديدة تُدار فيها السلطة وفق ضرورات الأمر الواقع، بانتظار اتّضاح المشهد الإقليمي بصورة نهائية.