أوراق سياسية

لبنان 2025: عام الحرب "الإسرائيلية" المستمرة رغم وقف إطلاق النار

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)
  
كان العام 2025 ثقيلا جدًّا على لبنان الذي عاش يومياته بقلق وخوف من الحرب "الإسرائيلية" المستمرة رغم اتفاق وقف إطلاق النار، ومن إمكانية توسيعها وجعلها مفتوحة بناء لتهديدات الخارج وتمنيات بعض الداخل الذي امتهن التهويل ورفع السقوف من دون أية معطيات جدية.

هذا الواقع، أكد أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إعلانه في 27 تشرين الثاني 2024، كان بالنسبة للعدو "الإسرائيلي"  مجرد حبرٍ على ورق، وهو لم يقابل الإيجابيات اللبنانية العديدة بأي خطوة يمكن البناء عليها، وبالتالي بدل أن يكون عام 2025 فرصة للاستقرار وإعادة الإعمار، تحوّل إلى امتداد مفتوح لحربٍ تُدار بوسائل مختلفة لكن بنتيجة واحدة تمثلت بالاغتيالات والتدمير وتوسيع الاحتلال ومنع الأهالي من العودة إلى قراهم ومنازلهم.

اختارت "إسرائيل" أن تتعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار كاستراحة تكتيكية أرادت الاستفادة منها في تحقيق ما لم تستطع تحقيقه خلال حرب الـ66 يوما، لا سيما على صعيد احتلال النقاط الخمس التي دخلتها إثر الاتفاق، بعد أن سجلت فشلا ذريعا أمام المقاومة التي قدمت صمودا أسطوريا، لذلك، سعى العدوّ إلى الانتقام من الجنوب وأهله بالخروقات التي فاقت الخمسة آلاف جوًّا وبرًا وبحرا، واتّخذت أشكالًا أكثر انتقائية ودموية، مستهدفة المدنيين والبنية التحتية والقرى الحدودية، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية.

اللافت، في العام 2025 هو تحول الاعتداءات "الإسرائيلية" إلى سياسة ثابتة تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، وتعايش الحكومة اللبنانية معها، حيث لن ينسى اللبنانيون الكلام العصبي للرئيس نواف سلام عن المسيرات "الإسرائيلية" التي “ليس مضطرا كلما حلقت إحداها في الأجواء اللبنانية أن يُسأل عنها”، وكذلك وزير الخارجية يوسف رجي الذي قال: “لبنان يتعرض يوميًّا إلى اعتداءات "إسرائيلية"، فهل يجب أن أقدم شكوى في كلّ يوم إلى مجلس الأمن”، وهو بالأمس ارتكب ما يشبه الجريمة الوطنية عندما تبنى وجهة النظر الأميركية ضدّ وطنه، معتبرا أن “واشنطن معها حق أن تغضب من لبنان كونه لم يُنفذ التزاماته”، مناقضا بذلك تصريحات رئيس الجمهورية وبيانات قيادة الجيش، ولجنة الميكانيزم، ولا شك في أن "إسرائيل" تستفيد من هذا الواقع، لتمعن في التوغلات وفي توسيع مناطق نفوذها تحت ذرائع أمنية واهية، وفي ذلك استخفافا بلبنان وسيادته وازدراءً للمجتمع الدولي ومؤسساته، وضربا لكل الوعود الأميركية التي لم يُنفذ أي منها لا سيما الانسحاب بفعل الغطرسة الصهيونية.

أما مجلس الأمن، الذي يُفترض به أن يكون المرجعية العليا لحفظ السلم والأمن الدوليين، فقد بدا في هذا السياق عاجزًا أو غير راغب في ممارسة أي دور فعّال، وقد جاءت زيارة ممثليه إلى لبنان أقرب إلى السياحة من فرض القرارات الدولية المتعلّقة به، حيث ركزت تصريحاتهم على ضرورة التهدئة وضبط النفس وكأن الزائرين هم أعضاء في جمعية خيرية وليسوا ممثلين لمجلس الأمن الذي على عاتقه يقع حفظ السلم في العالم، وليس بعيدًا لجنة الميكانيزم التي تحولت عمليًّا إلى شاهد زور، وهي بدل أن تكون مشرفة على وقف إطلاق النار، باتت مشرفة على الاعتداءات "الإسرائيلية"، وعلى الخطة التي ينفذها الجيش ويعرقلها العدوّ الصهيوني من دون حسيب أو رقيب.

لا شك في أن استمرار الحرب "الإسرائيلية" على لبنان في عام 2025 يطرح سؤالًا جوهريًا حول معنى الالتزام بالقانون الدولي في عالم تحكمه موازين القوّة لا مبادئ العدالة، فحين يلتزم وطن الأرز بوقف إطلاق النار ويكون الرد بمزيد من القتل والتدمير، وحين يُترك اللبنانيون رهينة اعتداءات متكرّرة من دون حماية فعلية، يصبح كلّ من يصمت على ما يحصل من أميركا إلى المجتمع الدولي إلى بعض الداخل اللبناني شريكًا فعليًا في الجريمة.

لم يعد لدى لبنان ما يقدمه بعد أن بلغ حدود التنازلات، وهو في المقابل يطالب بأبسط حقوقه من احترام السيادة وتطبيق القرارات الدولية عليه وعلى "إسرائيل"، غير أن الواقع يُظهر أن "إسرائيل" ما تزال تعتبر نفسها فوق المحاسبة، مستفيدة من الغطاء الأميركي الذي تجدد وتوسع في لقاء ترامب ـ نتنياهو الأخير في البيت الأبيض.

سوف يُسجل عام 2025 في الذاكرة اللبنانية كعامٍ آخر من الصمود القسري، حيث يواجه وطن الرسالة أعتى قوة عسكرية ليس فقط بالسلاح أو السياسة، بل بالإصرار على البقاء ورفض تحويله إلى ساحة مفتوحة للعدوان، وبالتالي فإن لبنان يفضح مرة جديدة زيف الادّعاءات الدولية حول السلام، حين لا يكون هذا السلام إلا مطلبًا من طرف واحد، في ما يُمنح الطرف الآخر ومن دون حساب حق الحرب الدائمة التي ستمتد حتما إلى العام 2026 بوجوه مختلفة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد