صحيفة المدن
علمت "المدن" من مصادر مصرفيّة أنّ جمعيّة المصارف قرّرت، بعد اجتماع مجلس إدارتها، الامتناع عن اتخاذ أي موقف حالياً بشأن مشروع قانون الفجوة الماليّة. وكشفت المصادر أنّ مجلس الإدارة شهد انقسامات داخليّة، حول كيفيّة تفسير العديد من جوانب المشروع، ما أفضى إلى إحالته إلى فريق قانوني داخل الجمعيّة لدراسته، قبل اتخاذ موقف واضح في اجتماع آخر يوم الإثنين المقبل.
وفي نتيجة هذه الانقسامات، قرّرت مجموعة من المصارف الأعضاء الصغيرة والمتوسّطة إصدار بيانٍ يوحي بامتعاضها من حالة المراوحة، التي تعيشها الجمعيّة بفعل تباين مصالح وطموحات أعضائها. كما أشّر البيان إلى رغبة المصارف الموقّعة باتخاذ مواقع تصعيديّة أكثر حدّة، إزاء مشروع القانون.
المصارف "المُشاغبة"
حمل البيان الاعتراضي تواقيع مجموعة من المصارف التي تُعد ضمن الشريحة الأصغر، من بين المصارف اللبنانيّة، وهي: مصرف الإمارات لبنان ش.م.ل، مصرف لبنان والخليج ش.م.ل، بنك سيدروس ش.م.ل، بنك الشرق العربي الحديث ش.م.ل، ليبانك ش.م.ل، بنك الصناعة والعمل ش.م.ل، بنك بي سي إن ش.م.ل، المصرف الفيدرالي اللبناني ش.م.ل، بنك سرادار ش.م.ل، بنك بيمو ش.م.ل، بنك الشرق الأوسط وأفريقيا ش.م.ل.
وحمل البيان لهجة لاذعة تجاه جمعيّة المصارف، مطالباً الجمعيّة بالاضطلاع "بدورها في الدفاع عن حقوق المصارف والمودعين، عبر دراسة واتخاذ ما تراه مناسبًا من إجراءات قانونية ومؤسسية متاحة، بما يضمن ممارسة واجبها الائتماني في حماية هذه الحقوق وصون النظام الاقتصادي الحر". كما دعا البيان إلى "دعوة الهيئة العامة لجمعية المصارف في لبنان إلى الانعقاد فورًا، بما يتيح لجميع المصارف الأعضاء المشاركة في مناقشة مشروع قانون الفجوة المالية وتداعياته، والعمل على بلورة موقف جماعي واضح ومسؤول يحفظ حقوق المودعين ويصون الاستقرار المالي".
وبحسب أحد المصادر، ترى هذه المجموعة داخل جمعيّة المصارف أنّ مجلس إدارة الجمعيّة تلكّأ عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات الدفاعيّة، في وجه مصرف لبنان والدولة اللبنانيّة، ومنها الطعن في طريقة إقرار مرسوم مشروع القانون داخل مجلس الوزراء، والذي يحتاج -بحسب هذه المصارف الممتعضة- إلى أكثريّة الثلثين من الأصوات. كما ترى هذه المجموعة أنّ جمعيّة تقاعست عن التصعيد في وجه مشروع القانون، عبر إعلان الإضراب العام، أو المباشرة بتحضير دعاوى قضائيّة ضد الدولة اللبنانيّة أو حتّى مصرف لبنان، المدين للمصارف.
وبدا واضحاً أنّ هذه المصارف بالتحديد اتّخذت هذا النهج التصعيدي، في وجه قيادة جمعيّة المصارف والحكومة اللبنانيّة معاً، لثلاث أسباب:
أولاً، تُعتبر هذه المصارف الصغيرة الأقل قدرة، مقارنة بغيرها من المصارف، من ناحية الملاءة والحجم والسيولة. وهذا ما سيمنع أصحابها من الامتثال لموجبات إعادة الرسملة، المفروضة بمشروع القانون، ما يعني اضطرارهم لإدخال مساهمين جُدد أو الخضوع لعمليّات دمج واستحواذ.
ثانياً، معظم هذه المصارف -وأصحابها- يُصنّفون ضمن الفئة الأكثر انكشافاً على بعض العمليّات غير الاعتياديّة وغير القانونيّة التي سيُلاحقها مشروع القانون، والتي يفترض أن يتم شطبها من الميزانيّات أو استعادتها.
ثالثاً، ترى هذه المصارف أنّ قيادة الجمعيّة استأثرت بالقرار بالنيابة عن القطاع ككل، واتخذت نهجاً تفاوضياً يتناسب مع مصالح المصارف الكبرى، الأكثر قدرة على تأمين متطلّبات إعادة الرسملة، مقارنة بالمصارف الصغيرة.
الجمعيّة المُتردّدة
مجلس إدارة الجمعيّة قدّم مجموعة من الذرائع يوم أمس، للمصارف الأعضاء، لتبرير عدم اتخاذ أي موقف واضح بعد صدور مشروع القانون. إذ وجد المجلس أنّ نص القانون بحاجة إلى تدقيق، لفهم تراتبيّة الخطوات التي سيتم اعتمادها عند إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وخصوصاً لجهة إمكانيّة تخفيض حجم الالتزامات المترتبة لصالح للمودعين، قبل تحميل رأسمال المصارف الشريحة الأولى من الخسائر (أو العكس). فإذا كان ممكناً فهم نص المشروع على نحوٍ يسمح بتخفيض حجم الودائع قبل شطب الرأسمال، سيكون بالإمكان بعض المصارف الكبيرة الاحتفاظ برأسمال إيجابي لاحقاً، ما يحصّن وضعيّة أصحابها، وهذا ما يتناسب مع مصالح المصارف الأكبر حجماً.
كما رأى مجلس إدارة الجمعيّة أن نص مشروع القانون يحمل بعض الالتباسات، لجهة كيفيّة احتساب الحصّة المتوجّبة على المصارف، عند تسديد الودائع على المدى القصير. كما لم يتّضح ما إذا الاحتياطي الإلزامي الموجود لدى مصرف لبنان سيُحتسب من ضمن الكلفة المطلوب سدادها من المصارف. ولهذا السبب، قرر مجلس الإدارة إجراء مشاورات مع فريقه القانوني، قبل مناقشة القرار النهائي مع المصارف الأعضاء بعد رأس السنة.
بهذا الشكل، بات من الواضح أنّ الجمعيّة فشلت حتّى اللحظة من لعب دورها كمجموعة ضغط تمثّل القطاع، عبر اتخاذ موقف صريح من المشروع، تماماً كما فشلت سابقاً بالتفاوض بالنيابة عن القطاع، قبل صدور مشروع القانون. مع الإشارة إلى أنّ صدور بيان ممتعض، من خارج مظلّة الجمعيّة، يُعد علامة فارقة ينبغي التوقّف عندها، عند مراجعة الانقسامات التي تجري داخل الجمعيّة.