أوراق سياسية

عدوان "البيجر".. تعاطف لبناني ودولي

post-img

حسين كوراني

لم تترك "إسرائيل"حيلةً أو أسلوبًا من أجل قتل من تعدّهم أعداءها إلا واستخدمتها. ليست صواريخ الطائرات وقذائف الدبابات والمدافع وحدها من ترتكب فيها أفظع المجازر بحق الأطفال والنساء، بل تتطورت أدوات القتل لديها، وكان آخرها ما حصل في لبنان، حيث اخترقت جهاز "البيجر" وفجرّته بأيدي حامليه، ومنهم ممرضون ومسعفون يعملون في الحقل الطبي، فكانت النتيجة آلاف الجرحى وعدد من الشهداء. هذه الجريمة كشفت أكثر الوجه الوحشي القذر لذلك العدوّ المجرم المسلوب من الشفقة والرّحمة الإنسانية، كما أنها وحّدت غالبية اللبنانيين بجميع طوائفهم.

على الصعيد الوطني

شهد لبنان إضرابًا تضامنيًا، في القطاعين التربوي والعمالي، تنديدًا بالعدوان الصهيوني الغاشم. إذ قال دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري: "هو ديدن الاحتلال "الإسرائيلي" ومستوياته الأمنية والعسكرية والسياسية، الغدر والإرهاب والقتل الجبان على نحو يخالف كلّ القواعد الأخلاقية والقانونية والإنسانية". كما أدان العدوان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وعدد كبير من الفعاليات السياسية من جميع الطوائف، منهم النائبان السابقان وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، اللذان عزّيا باستشهاد نجل النائب علي عمار شخصيات سياسية وحزبية، وأيضًا، رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.

هذا؛ وصدرت سلسلة من المواقف المنددة بالعدوان. إذ أدانت حركة أمل الجريمة وقالت: "نضع هذا الاعتداء برسم الهيئات والمنظمات الدولية ليس فقط للإدانة؛ بل لاتّخاذ الإجراءات العاجلة التي حان أوانها". فيما، شدد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان على أن الهجوم الصهيوني الجبان لن يمر من دون عقاب. كما أشار الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد إلى أن هذه الأساليب الجبانة تعكس خسة العدوّ وإجرامه، وأكد أن خيار المقاومة يبقى الأكثر نجاعة في مواجهة الاحتلال.

كذلك، أدان حزب التوحيد العربي، في بيان له، العدوان مشيرًا إلى "التزام المقاومة بقواعد الاشتباك وعدم خرقها، بينما تتعمد "إسرائيل" استهداف المدنيين في المناطق اللبنانية كافة". ووجّه رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي انتقادات حادة للقوى الدولية والعربية واللبنانية، ورأى أن المقاومة اللبنانية سترد حتمًا على هذا العدوان، متهمًا المجتمع الدولي بالعجز عن ردع "إسرائيل"، محملًا إياه مسؤولية تصاعد الوضع.

أما الأمين العام لحركة الناصريين المستقلين - المرابطون العميد مصطفى حمدان، فقد أكد ضرورة التركيز في مواجهة العدوّ بدلًا من الانشغال بالإشاعات. وفي السياق ذاته، رأى النائب فريد هيكل الخازن أن "إسرائيل" أثبتت، مرة أخرى، أنها "أداة إجرام" في المنطقة، ودعا إلى تضامن كامل مع المناطق اللبنانية المتضررة، مؤكدًا ضرورة الوقوف صفًا واحدًا ضدّ الاعتداء.

بدوره، النائب بلال عبد الله شدّد على أن إرادة اللبنانيين أقوى من أن يقهرها العدوّ الإسرائيلي. أما رئيس المركز الوطني في الشمال كمال الخير؛ فقد قال إن العدوّ سيدفع ثمنًا غاليًا لجريمته، مؤكدًا وقوفه الكامل إلى جانب المقاومة بقيادة السيد حسن نصر الله. وأدان النائب السابق وديع الخازن العدوان "الإسرائيلي"، داعيًا جميع اللبنانيين، بمختلف انتماءاتهم، إلى الوحدة لمواجهة التهديدات التي تحيط بالبلاد؛ في ما وصف النائب أحمد الخير الاعتداء بأنه تطوّر خطير في العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، ودعا إلى الوحدة والتضامن بين اللبنانيين..

كما دعا الاتحاد العمالي العام إلى إضراب عام تضامني مع أهل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. وندَّد تجمع موظفي الإدارة العامة في بيان "بالجريمة الصهيونية التي استهدفت اللبنانيين، بأبشع الطرائق وأحقرها وذلك استمرارًا لنهجهم الذي لا يمت للبشرية ولا للكائنات بصلة". 

هذا؛ ولململت عدد من المناطق اللبنانية جراحها بعد العدوان الذي نفّذته آلة القتل ""الإسرائيلية"" بحقّ الأهالي، إذ جال وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض على عدد من المستشفيات، وقال إن: "100 مستشفى استقبلت المصابين وعملت 1184 سيارة إسعاف في نقل المصابين والشهداء، وبنوك الدم استقبلت أكثر من 2000 تبرع خلال 3 ساعات، وهي النسبة الأكثر في تاريخ لبنان".

أما منطقة البقاع؛ فقد احتضنت الجرحى في مستشفياتها، وغصّت سريعًا بالمتبرّعين بالدم من كلّ الفئات العمرية ومن كلّ الطوائف. وتفقّد مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي الجرحى في مستشفيات المنطقة، ومنها صرّح بأنّ: "هذه الحادثة ترقى إلى جريمة الإبادة وحرب كاملة، وعلى المجتمع الدولي أن يتوقف قليلًا عن الإدانات وينتقل إلى ما هو أولى وأهم".

في الشمال؛ نفّذ رؤوساء اتحاد نقابات العمال والمستخدمين واتحاد النقل البري للترانزيت في الداخل والخارج ونقابة عمال مرفأ طرابلس وقفة تضامنية مع أهالي الضاحية والجنوب. ووجّه المشاركون رسالة إلى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وقيادة المقاومة قائلين له: "إننا ندعم كلّ خطوة تقوم بها"، داعين قيادة المقاومة إلى الرد القاسي؛ لأن هذه الجريمة تطال الوطن، ولا يجوز أن تمر من دون عقاب". وفي سياق متصل، تلقى حملات التبرع بالدم تجاوبًا كبيرًا في طرابلس المنية عكار والمخيمات الفلسطينية، وسط تأكيد المتبرعين بـ"أن دمنا هو وفاء لمن قدّم دمه على طريق القدس". 

أما في الجنوب، فقد عمّ الحداد العام استنكارًا للمجزرة القطاعات الإدارية والتربوية والاقتصادية والعمالية والشعبية الرسمية والخاصة، ما أدى إلى توقف حركة العمل، في وقت واصلت فيه الطواقم الطبية في مستشفياته معالجة الجرحى، بينما استمرت حملات التبرع بالدم للجرحى في المراكز الطبية حتّى ساعات الصباح.

في بيروت؛ هبَّ أشرف الناس على طريقتهم لمساعدة ومساندة الجرحى من خلال دعوات التبرع بالدم للجرحى، حيث رفعت النداءات عبر مآذن المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي. إذ أقيمت خيم على أوتوستراد السيد هادي نصر الله في الضاحية الجنوبية يشرف عليها ممرضون ومسعفون، وتوافد إليها المواطنون للتبرع بالدم وإرساله إلى المستشفيات حيث يعالج المصابون. كما شهدت الطريق الجديدة حملات تبرع بالدم، شارك فيها المئات من أبناء المنطقة الذين أكدوا وقوفهم إلى جانب جرحى العدوان الصهيوني. كما شهدت مناطق جبيل حملات للتبرع بالدم، ووجّه إمام مدينة جبيل الشيخ أحمد غسان اللقيس نداء ممن يستطيع التبرع بالدم من أي زمرة كانت التوجّه إلى أي مستشفى والتبرع بالدم.

على الصّعيد الخارجي

لاقت جريمة الحرب التي استخدمها العدوّ استنكارًا عربيًا وإسلاميًا واسعًا على المستويين الرسمي والشعبي، إذ رأى وزير الخارجية الأيرلندي أن: "هجوم أجهزة البيجر في لبنان استهتار متعمد بحياة الناس؛ لأنها انفجرت في أماكن عامة، وهو ينتهك بشكل واضح اتفاقية جنيف". وعبّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي، خلال اتّصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، عن إدانة بلاده بشدة لـ"العمل الإرهابي الذي قام به الكيان الصهيوني واستهدف المواطنين اللبنانيين".

وتلقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إتصالا هاتفيا من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي عبَر عن "تضامنه الكامل مع لبنان في الظروف الصعبة التي يمر بها"، مشددا على انه "يجري كل الاتصالات لوقف العدوان على لبنان" .

كما أدانت سورية العدوان مؤكدةً أنَّ: "هذه الجريمة الدموية الجديدة التي ارتكبتها "إسرائيل" بحق المدنيين في لبنان، والتي تعكس رغبتها في توسيع رقعة الحرب وتعطشها إلى سفك المزيد من الدماء". وتلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تلقى اتّصالًا من وزير خارجية مصر بدر أحمد عبد العاطي؛ أعرب خلاله عن "تضامن مصر، رئيسًا وشعبًا، مع لبنان في ما تعرض له من تفجيرات اليوم". ونقل الوزير للرئيس ميقاتي توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي" بدعم لبنان في كلّ ما يحتاج إليه في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان". 

كما أصدر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني توجيهاته بــــ:"إرسال الطواقم الطبية العراقية وفرق الطوارئ إلى لبنان لتقديم المساعدة العاجلة وبالسرعة الممكنة، للتخفيف عن آلام المصابين من الأبرياء المدنيين". 

هذا؛ واستقبل وزير الصحة اللبناني أول شحنة مساعدات تصل إلى لبنان بمبادرة من العراق، وأعلن من مطار بيروت عن وصول 15 طنًا من الأدوية والمستلزمات الطبية العراقية، مؤكدًا أنّ لبنان بانتظار 70 طنًا آخر. وقال: "إن الوفد الطبي العراقي يتألف من 20 طبيبًا وعاملًا صحيًا، والطائرة أيضًا قادرة على إجلاء 30 مصابًا". كما وصلت فرق الهلال الأحمر الإيرانية المتطوّعة للإغاثة والعلاج، وضمّت 12 طبيبًا عامًا ومتخصصًا و12 ممرضًا ومسعفًا. ووصلت أيضًا طائرة مساعدات تابعة لسلاح الجو الأردني تحمل "مواد غذائية وطبية وإغاثية، وتهدف المساعدات إلى دعم القطاع الصحي في لبنان ومساعدته في تجاوز هذه الحادثة".

إلى ذلك؛ رأى الناطق باسم حكومة التغيير والبناء في صنعاء وزير الإعلام اليمني هاشم شرف الدين أن: "هذه الجريمة الوحشية تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واستهتارًا صارخًا بحياة البشر"، مضيفًا أن: "استخدام أجهزة تلقي الرسائل اللاسلكية المحمولة "البايجر" وسيلةً قتل عمل جبان وغير إنساني يكشف عن النفسية اليهودية المتعطشة دومًا للدماء المستهترة بالإنسانية". كما تلقى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اتّصالًا هاتفيًا من نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين في حكومة تصريف الأعمال الأردنية أيمن الصفدي، نقل له خلاله توجيهات الملك عبد الله الثاني: "تقديم أي مساعدات طبية يحتاجها القطاع الطبي اللبناني لمعالجة الآلاف من المواطنين".

كما أصدرت الأمانة العامة للمؤتمر العام للأحزاب العربية بيانًا، أدانت فيه: "وبأشد العبارات، العدوان الإسرائيلي، ورأت أن: "هذا تطوّر خطير يظهر مدى صلف هذا العدوّ وسعيه المحموم لتوسيع دائرة المعركة القائمة في المنطقة، هروبًا من إخفاقاته المتتالية وهزائمه المتكرّرة في قطاع غزّة خصوصًا، وفي فلسطين عمومًا، بالإضافة إلى فشله في الشمال نتيجة ضربات المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية، والهجوم النوعي الذي تعرض له بإطلاق صاروخ فرط صوتي من اليمن، استهدف "تل أبيب"". وتابع البيان: "نعلن دعمنا وتأييدنا للمقاومة الباسلة في كلّ الإجراءات التي ستتّخذها ردًا على هذا الاعتداء الغادر، نعلن تضامننا الكامل مع الشعب اللبناني الشقيق، وندعو إلى معاقبة هذا الكيان المارق الخارج على القانون والمتأصل بالإرهاب؛ لأنه يشكّل خطرًا داهمًا على الأمن والسلم الدوليين".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد