الفيلم المعروف بالعبرية باسم Hemda للمخرج شيمي زارهين (Shemi Zarhin) هو الفيلم الإسرائيلي الوحيد المدرج في قائمة مهرجان تورنتو هذا العام، وهو أكبر مهرجان سينمائي في أميركا الشمالية. اختير الفيلم ليعرض ضمن قائمة الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، وتدور أحداثه حول زوجين مُسنين يعيشان في شمال "إسرائيل"، ويواجهان الصعوبات اليومية للحياة الأسرية.
رأى الناشطون أن الفيلم ينتهك إرشادات حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS). وبحسب المحتجين، ووفقًا لما جاء في الإعلان الترويجي للفيلم، فقد موّلت العمل مؤسسات وشركات إسرائيلية، ومن بينها مجلس الفيلم الإسرائيلي الذي يُلزم جميع صانعي الأفلام الذين يتلقون التمويل بالتعهد بالامتناع عن تقديم أي عمل مسيء للدولة أو قواتها المسلحة.
هو مموّل كذلك من وزارة الرياضة والثقافة الإسرائيلية التي تطلب من الفنانين التعهد بالولاء للصهيونية، وتعزيز صورة عامة إيجابية عن الكيان الصهيوني عند عرض أعمالهم في الخارج. أما شركة التلفزيون الفضائي الإسرائيلية التي أشرفت على إنتاج الفيلم، فهي مُدرجة في قاعدة بيانات الأمم المتحدة على أنها تعمل في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، وهذا ليس قانونيًا بموجب القانون الدولي.
شارك في هذه المقاطعة مجموعات مختلفة بينها مجموعة "يهود ضد الإبادة الجماعية" و"فنانون ضد غسل الفن" و"كتاب ضد الحرب على غزة". يسعى المحتجون، بحسب البيان المنشور على صفحات التواصل الاجتماعي، إلى لفت الانتباه إلى الهجمات الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من واحد وأربعين ألف فلسطيني.
بدأ الاحتجاج في أثناء تقديم أحد منظمي المهرجان الفيلم على مسرح سكوتيا بانك في وسط المدينة، إذ قاطعه الناشطون الذين صعدوا على المسرح مرددين "فلسطين حرة". رفع المحتجون لافتات منددة بالعدوان على قطاع غزة وبالمشاركة الإسرائيلية في المهرجان، وسادت حالة من الفوضى بين الجمهور عقب هذه التحركات.
تُظهر اللقطات المُتداولة أحد أفراد الجمهور وهو يحاول انتزاع اللافتات من أيدي المتظاهرين بينما كانوا يهتفون "من النهر إلى البحر، ستكون فلسطين حرة"، بينما ظهر أفراد آخرون من الجمهور وهم يصرخون على المحتجين "اذهبوا إلى دياركم!". واستمر الاحتجاج في مقر عرض الفيلم لدقائق معدودة قبل أن يتدخل الأمن للسيطرة على الموقف وإبعاد المحتجين. وخارج المبنى، نظم المتظاهرون وقفة احتجاجية اتهموا فيها مهرجان تورنتو السينمائي الدولي بالتواطؤ.
علّقت صانعة الأفلام الوثائقية الفلسطينية الكندية سيرين حسني، والتي شاركت في الاعتصام خارج المبنى، عبر حسابها في "إنستغرام" بأنّ قرار إدارة المهرجان بعرض فيلم تموّله دولة الاحتلال الإسرائيلي في أثناء العدوان المستمر على قطاع غزة، يُمرّر رسالة "عدائية وسياسية" لأعضاء المجتمع الفلسطيني. أضافت حسني أن الأمر: "يبدو وكأنّ المهرجان يؤيد هذه العنصرية ضدنا، ما يضيف مزيدًا من المعاناة للفلسطينيين". انتقدت حسني أيضًا البيان الصادر عن إدارة مهرجان تورنتو، والذي تدعو فيه إلى السلام ووقف إطلاق النار الفوري وإنهاء معاناة المدنيين الفلسطينيين وعودة الرهائن الإسرائيليين.
قالت حسني إن البيان يتجنب بوضوح وصف العدوان الإسرائيلي بالإبادة الجماعية، وهو الوصف الذي أعلنته محكمة العدل الدولية والعديد من المنظمات الإنسانية والقانونية والدولية. يوضح هذا البيان، كما تقول حسني، أن إدارة المهرجان: "لا تعترف بوجود هذه الإبادة، وبالتالي لا تحمّل الحكومة الكندية أي التزامات أخلاقية أو قانونية". وترى حسني أن تأييد الدعوة إلى مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها ليس واجبًا أخلاقيًا على صناع السينما وحدهم، بل هو أيضًا واجب أخلاقي على كل الكنديين.
يُذكر أن مهرجان تورنتو الدولي كان يعرض عادة أربعة أو خمسة أفلام إسرائيلية، غير أن العدد بدأ يتضاءل في السنوات الأخيرة، والمشاركة الإسرائيلية هذا العام هي الأقل منذ سنوات. ويشكو صناع السينما الإسرائيليون من تضاؤل عدد المشاركات الإسرائيلية في المهرجانات السينمائية الدولية الكبرى والمهمة، ويعزون الأمر إلى الحرب الإسرائيلية على غزة وحركة المقاطعة الثقافية للكيان الصهيوني.
في مقابل ذلك، عرفت تظاهرات سينمائية أخرى موقفًا إيجابيًا أبرزه فنانون غربيون تجاه القضية الفلسطينية. في ختام الدورة الـ81 لمهرجان البندقية السينمائي، نددت المخرجة سارة فريدلاند، بصفتها فنانة أميركية يهودية، بالإبادة الإسرائيلية في غزة، وذلك في أثناء تسلمها جائزة في التظاهرة. وحصلت المخرجة على جوائز عدة (بينها في فئة أفضل إخراج)، عن فيلمها "فاميليار تاتش" (Familiar Touch) الذي عُرض في قسم "أوريتزونتي" (Orizzonti) الموازي، ويتتبع رحلة امرأة ثمانينية في دار لرعاية المسنين.
قالت فريدلاند على خشبة المسرح، في الحفل الختامي الذي أقيم في قصر السينما بالمدينة الإيطالية: "كوني فنانة يهودية أميركية (...)، لا بد لي أن أشير إلى أنني أقبل هذه الجائزة في اليوم الـ336 للإبادة الإسرائيلية في غزة والعام الـ76 للاحتلال". وأضافت: "أعتقد أن من مسؤوليتنا كوننا عاملين في مجال السينما استخدام المنصات المؤسسية التي نعمل من خلالها للتصدي لإفلات "إسرائيل" من العقاب على الساحة العالمية. وأنا متضامنة مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل التحرير".
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحوّلت المهرجانات السينمائية إلى منصة إضافية للتعبير السياسي، خصوصًا للفنانين والسينمائيين المتضامنين مع الفلسطينيين في قطاع غزة. وتزامنًا مع مهرجان البندقية السينمائي، وجّهت مجموعة من صناع الأفلام رسالة مفتوحة إلى إدارة المهرجان، معربة فيها عن رفضها مشاركةَ أفلام إسرائيلية في الفعالية، في ظل الظروف الحالية في قطاع غزة واستمرار المجازر ضد المدنيين.