نشأ السنوار في مخيمات الصفيح، في قطاع غزة، وبين أزقتها الضيقة بعدما نزحت عائلته من مدينة المجدل عقب «نكبة 48». طاله نصيب من شظف العيش وقسوته. طبعت الظروف القاسية علاماتها على شخصية الطفل الذي وقف شاهدًا على «نكسة 67». راكمت السنوات التي تلت رصيدًا من الغضب والسخط في صدره، فاقمتها يوميات البؤس في غزة ومخيماتها مخلّفةً «رغبةً ملحّة بالانتقام» لازمته لعقود تلت. كان، في حديثه ونظرته للصراع، دائم الحديث عن «النكبة» وما تركته من معاناة ممتدة لأهله، كان لديه تطلع دائم لإحداث «صدمة وتغيير في موازين القوى»، كما يقول من عرفه.
تلقَّى يحيى السنوار تعليمه في مدارس مخيم خان يونس، وأكمل دراسته بعدها في الجامعة الإسلامية التي تخرج فيها بشهادة في الدراسات العربية. بدأ نشاطه بالعمل الطلابي والتنظيمي حينذاك تحت مظلة «الكتلة الإسلامية» ومنها شق طريقه إلى أدوار أوسع تكللت بتأسيس جهاز «المجد»، الجهاز الأمني الداخلي لـ«حماس» المضطلع بأدوار حساسة أبرزها ملاحقة العملاء والمرتبطين بأجهزة الأمن العدو الإسرائيلي.
قاد نشاطُه الأمني "إسرائيل" إلى اعتقاله في أواخر الثمانينيّات من القرن الماضي. اتهمته سلطات الاحتلال الإسرائيلية بقتل أربعة «متعاونين» فحكمت عليه بأربعة أحكام مدى الحياة. تنقّل بين المعتقلات الإسرائيلية شمالًا وجنوبًا وقضى أوقاتًا طويلة في غرف العزل.
قاد «حماس» من داخل المعتقلات، وحمَل «هاجسه الأمني» معه. أتقن اللغة العبرية، ودرّس النحو الصرف لرفاقه، وقاد إضرابات ومفاوضات، وربح جولات وخسر أخرى. بدا الوقت ثقيلًا داخل المعتقل، فيما دارت عجلة الصراع خارج أسواره؛ انتفاضات وحروبًا وسرابات السلام. أكثر من عقدين في الأسر لم ينالا من قناعة الرجل بقرب نيل حريته. خطف شقيقه جنديًا إسرائيليًا، وبادلته «حماس» بألفِ أسير فلسطيني. كان يحيى على رأسهم. خرج ليؤدي أدوارًا بارزة شكّلت معالم جديدة للصراع. وفي أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ملأ اسم السنوار الدنيا وشغل كثيرًا من دوائر الأمن والسياسية في "إسرائيل" وخارجها. أثار الرجل عاصفةً من التساؤلات عن شخصيته وأفكاره ورؤيته للصراع وكذلك الدوافع وراء قراراته وحسابات تكاليفها، لا سيما لما أحدثته من انعكاسات وما خلَّفته من تبعات كبيرة وثقيلة.
يرسم الأسرى السابقون، من مشارب سياسية وفكرية متنوعة، «صورةً طبَقيّة» عن «العقل المدبر» لـ7 أكتوبر وأفكاره وقيادته لحركته داخل المعتقلات وعلاقته مع الفصائل الأخرى وصولًا إلى الدوافع التي أوصلته إلى ساعة الصفر صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحسابات الحرب الممتدة ومآلاتها.
اللقاءات الأولى
يسرد عصمت منصور، وهو أسير سابق كان ينتمي لـ«الجبهة الديمقراطية» وأمضى سنوات في المعتقلات الإسرائيلية التقى خلالها السنوار، جانبًا عن انطباعاته الأولى بعد لقائه في معتقل عسقلان أواخر تسعينيّات القرن الماضي: «حينما تلتقي السنوار ترى إنسانًا عاديًا، بسيطًا ومتدينًا»، بيد أنه يحمل أيضًا «صفات القسوة والحِدّة في التعامل. هو رجل متدين لكنه ليس خطيبًا ولا منظِّرًا. تحضر الخلفية الدينية في تشكيل علاقاته، ولا يمكن أن يتعامل معك بمعزل عن موقفه المسبق». وتَظهر تجربة السنوار في صغره قبل دخوله المعتقل مبكرًا وقضائه مدة طويلة فيه، جليّة في سلوكه ونظرته لما حوله وتعامله مع الآخرين. يقول منصور إنّ طفولة السنوار القاسية رسمت معالم «حقده» وصاغت توجهاته السياسية، مضيفًا: «هو لا يقبل المساومة، ولا يرى مكانًا للحلول أو للتوصل إلى صيغ واتفاقيات إلا في إطار التكتيك».
عبد الفتاح دولة، وهو أسير سابق ينتمي لحركة «فتح» أمضى سنوات في المعتقلات الإسرائيلية، كان قد التقى السنوار أول مرة في العام 2006. سبقت انطباعاته عن الرجل اللقاء معه، إذ تناقل الأسرى «صيت السنوار» من معتقل إلى آخر ورسموا صورة عن رجل «حاد الطباع وصاحب قرار». تلك الانطباعات عززها اللقاء الأول الذي جمعهما في معتقل بئر السبع الصحراوي. يقول دولة: «يحيى السنوار الشخص الاجتماعي الإنساني يختلف عن القيادي الحمساوي. يحيى السنوار الذي تتناقش معه في قضايا عامة يختلف عن الذي تخوض معه في قضايا فصائلية. هنا يكون اجتماعيًا، وهناك يكون متعصبًا، تشعر كأنّ الرجل بشخصيتين».
أما صلاح الدين طالب، وهو أسير سابق ينتمي إلى حركة «حماس» وكان قد قضى سنوات في المعتقلات مع السنوار وأُفرج عنه مع السنوار ضمن صفقة التبادل، يستذكر لقاءه الأول مع «أبو إبراهيم» فيقول: «يلفتك تواضعه، وعلاقته المرحة مع الشباب». بيد أن رفيق الأسر يلفت إلى أن طبيعة القيادي الحمساوي الأمنية جعلته مختلفًا عن قيادات الحركة الآخرين، فهو «ليس داعيةً، هو مؤسس جهاز مجد الأمني، وهذا ينعكس إلى حد كبير على شخصيته. فرغم علاقاته الاجتماعية القوية فإنه في الجانب الأمني كان شديدًا وقاسيًا».
«هوس أمني» في المعتقلات
داخل المعتقلات كما خارجها، ظل السنوار رجل الأمن الأول. في أواسط التسعينيات تلقَّت حركة «حماس» وخلاياها في الضفة والقطاع ضربات موجعة متتالية تمثلت باغتيال أجهزة الأمن الإسرائيلية عددًا من قادتها كان أبرزهم يحيى عياش وعماد عقل، وتنفيذ عمليات اعتقال واسعة لنشطاء الحركة، وإحباط عدد كبير من الخلايا العسكرية. أحدثت هذه التطورات هزات كبيرة داخل أركان الحركة وبعثت بارتدادات عمَّقت المخاوف من اختراقات أمنية واسعة. ألقى هذا بظلال ثقيلة وقاتمة على أحوال الحركة داخل المعتقلات ودشن «مرحلة الهوس الأمني» في تاريخها. كان السنوار محرك هذه المرحلة وضابط إيقاعها.
يستذكر طالب هذه «المرحلة الصعبة» التي اضطلع خلالها بأدوار أمنية برفقة السنوار داخل المعتقلات. اتسعت رقعة «الهوس» وطالت تنظيم «حماس» في كل المعتقلات، «كان هناك تحقيقات واستجوابات، كانت الملفات الأمنية تنتقل بين المعتقلات ومنها إلى الخارج. خلّف ذلك حالة هوس أمني فكانت هناك اختراقات واغتيالات واعتقالات ولم تكن الحركة جاهزة أمنيًا أو لديها تجربة ناضجة للتعامل مع ذلك بطريقة مثالية». تحوّلت غرف حركة «حماس» إلى مراكز للاستجواب والتحقيق. طالت الاتهامات بالعمالة الكثيرين. يقول طالب إن بعضهم «ثبتت عمالته» بيد أن كثيرين وقعوا ضحية لـ«فوبيا الأمن»، مضيفًا: «كانت مرحلة صعبة لم يخرج منها أحد بسلام». ويشير عبد الفتاح دولة إلى أن عمليات التحقيق كانت تجري مع «كل من تدور حوله أي شكوك»، ما خلّف تبعات مأساوية، «أشرف السنوار على عديد من عمليات التحقيق الداخلي..".
السنوار و«القسّام»
كان السنوار داخل المعتقلات الإسرائيلية، في مطلع التسعينيات، حين برزت إلى الواجهة «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، وشرعت بتنفيذ سلسلة من العمليات ضد أهداف لجيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين. وبالرغم من أن السنوار كان منخرطًا في الجانب الأمني؛ فقد اعتُقل مبكرًا بينما كان العمل العسكري في طور الإعداد والتطوير. بدأت علاقة السنوار مع شخصيات من الجناح العسكري لـ«حماس» تنشأ وتتطور أكثر داخل المعتقلات، إذ بدأ عدد من الأسماء البارزة بالوصول إلى المعتقلات. يقول منصور: «السنوار من البداية ذهنُه وعقليته أمنية؛ عنده هوس أمني ونظرة أمنية للمحيط ويعيش هذا الهاجس كل الوقت. حتى قراءاته عن إسرائيل غالبيتها أمنية وعن تركيبة الجيش والمخابرات. لذلك هو لديه هذه الخلفية والقابلية للانخراط مع الجناح العسكري».
هذه العلاقة التي تشكلت ونضجت مع الجناح العسكري دخلت لاحقًا فصلًا جديدة بعد إتمام «صفقة شاليط» وخروج «أبو إبراهيم» ورفاقه من المعتقل في العام 2011. كان محمد السنوار شقيق يحيى الأصغر مسؤولًا بارزًا في الجناح العسكري ومشاركًا في عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط والاحتفاظ به لسنوات قبل إطلاق سراحه بموجب صفقة التبادل. أسهم شقيق السنوار وكذلك رفاقه الذين خرجوا معه من المعتقلات، فضلا عن رصيده الذي يحظى به في الحركة، في فتح أبواب الجناح العسكري أمام القادم الجديد. يقول منصور إن هذه العوامل جعلت من السهل على السنوار «الاندماج في محيط العسكريين وإيجاد نفسه فيه».
شاليط والصفقة
قلبت عملية أسر الجندي الإسرائيلي شاليط والمفاوضات التي أعقبتها حول صفقة التبادل معطيات عديدة عند السنوار وغيَّرت مصيره ومصير رفاقه. كان السنوار على رأس قائمة الأسماء التي طالبت «حماس» بالإفراج عنها. عززت التحولات التي خلّفها ملف شاليط مكانة السنوار داخل المعتقلات وخارجها، إذ شرع بتأدية أدوار متقدمة في ملف التفاوض. يقول منصور: «السنوار بعد 2006 غير السنوار قبلها. بات يمثل مفتاحًا ومركز تجمع قوة كبيرة بسبب شاليط وبسبب سيطرة حماس على غزة بعدها. حماس أضحت نظامًا يحكم منطقة وتمتلك قوة وفي قبضتها أسير، وهذا الأسير بيد شقيق السنوار». ويشير منصور إلى أن قضية شاليط أعطت السنوار داخل المعتقلات «قوة غير مسبوقة لم يسبق لأي قائد من حماس أن امتلكها سوى أحمد ياسين وصلاح شحادة اللذين كانا من الجيل الأول في المعتقلات».
أصبح السنوار حينها عنوان الصفقة القادمة ومفتاحها. بات يمارس هذه القوة التي وقعت بين يديه لتعزيز مكانته وسلطته وقدرته على صناعة القرار داخل المعتقلات وخارجها. يقول منصور: «بات يتصرف كشخص يقول للأسرى: أنا باقدر أروّحك من المعتقل وباقدر أخلّيك. وهذا مارسه ليس لأسباب شخصية فحسب؛ بل كانت لديه معايير مختلفة لها علاقة بمشروعهم وتفكيرهم وأولوياتهم».
كانت مفاوضات الصفقة بين "إسرائيل" و«حماس» قد قطعت شوطًا كبيرًا حين دخل السنوار على خطها ورفض مخرجاتها وبدأ مسارًا جديدًا. يستذكر دولة أن مسؤول ملف التفاوض الإسرائيلي في قضية شاليط «حضر إلى المعتقلات وتفاوض بشكل مباشر مع يحيى السنوار الذي ظهر أنه سيكون صاحب تأثير كبير».
ورم في الرأس وإنقاذ بمروحية خاصة
حين كانت المفاوضات بشأن تبادل الأسرى تزداد زخمًا وتقترب من نهاياتها، تعرَّض السنوار لوعكة صحية كادت تودي بحياته. أربك ذلك الحسابات وأضاء إشارات القلق؛ لا سيما عند الجانب الإسرائيلي. كان السنوار اللاعب الأول فيها. تفاقم وضعه الصحي ما حدا برفاقه في زنازين العزل بمعتقل السبع جنوب "إسرائيل" إلى حثه على الذهاب إلى عيادة المعتقل. يقول دولة: «كان السنوار عنيدًا، كان يرفض دائمًا الاستعانة بإدارة المعتقلات». ازداد وضعه سوءًا وخطورة وفقد وعيه، ما اضطر رفاقه في المعتقل إلى نقله إلى العيادة، «حين بات الوضع صعبًا، أجبروه على الذهاب»، يقول دولة.
أحدث وصول السنوار إلى عيادة معتقل بئر السبع ذاك النهار إرباكًا كبيرًا في إدارة المعتقلات التي أعلنت الطوارئ في المعتقل على الفور وأغلقت القسم الذي يقيم فيه السنوار. يسرد دولة تفاصيل تلك اللحظات التي رافقت الانتكاسة الصحية: «جاء ممثل عن إدارة معتقل السبع وأخبرنا بأنّ المؤشرات تشير إلى أن السنوار يعاني وضعًا صعبًا». في تلك الأثناء حطّت مروحية في مهبط المعتقل، بحسب دولة، وأقلّت السنوار على وجه السرعة إلى مستشفى «سوروكا» ليدخل بشكل عاجل إلى غرفة العمليات. وجد الأطباء ورمًا حميدًا في الرأس سارعوا إلى استئصاله. خضع السنوار لعملية «معقدة جدًا وخطيرة» كاد يفقد حياته خلالها.
مثّل دخول المروحية على خط عملية الإنقاذ حدثًا استثنائيًا وخلّف روايات متضاربة عند الأسرى الثلاثة. يقول دولة إن «حال السنوار كانت الأولى بحسب تجربتي» بينما أشار منصور إلى أنه لا يتذكرها جيدًا، فيما نفى طالب ذلك، موضحًا أن كل الإجراءات التي اتخذتها سلطات المعتقلات حينذاك «كانت في الإطار العادي جدًا». ويقول منصور إن الإسرائيليين حتى اليوم «يعيّرون» السنوار بعلاجه، مضيفًا أن مديرة مصلحة المعتقلات ومديرة استخبارات المعتقلات في حينها عبّرت في أكثر من مناسبة مؤخرًا عن «عمق ندمها على إنقاذ حياة السنوار».
بخلاف التعاطي الإسرائيلي مع مرض السنوار؛ كان هناك الإرباك الكبير خلّفه الخشية العميقة من أن يُلقي وضع السنوار الصحي بظلال ثقيلة على مسار صفقة شاليط في مراحلها الأخيرة. يلفت منصور إلى أن «لا أحد كان سيصدق في العالم أنهم لم يغتالوا السنوار أو يصفّوه، وهو ما كان سيُلقي بانعكاسات كبيرة على الصفقة».
السنوار والبرغوثي وسعدات تحت سقف واحد
جمع معتقل «هداريم» المركزي، في شمال "إسرائيل"، السنوار بقيادات فلسطينية بارزة على رأسهم مروان البرغوثي وأحمد سعادات. بدأت العلاقة بين الثلاثة الكبار تتشكل داخل قسم العزل الجماعي هناك. «كان بينهم احترام كبير واستطاعوا أن يجدوا لغة مشتركة». يستذكر منصور: «هذا لا يجعلهم متطابقين في وجهات النظر؛ لكن أتصور أن بينهم ثقة واحترام تُمكّنهم من العمل معًا وتعطي تصورًا للعلاقة مستقبلًا». وعمل الثلاثة معًا، فخاضوا إضرابات داخل المعتقلات وصاغوا مبادرات ورسائل للخارج أبرزها «ميثاق الأسرى للوفاق الوطني» في ربيع العام 2006 الذي مثّل محاولة لرأب الصدع الواسع بين نقيضي المشهد السياسي الفلسطيني، حركتي «فتح» و«حماس».
«القسام» بعد 2011
بعد إطلاق سراحه من المعتقلات بموجب صفقة التبادل، في العام 2011، مضى السنوار إلى تعزيز حضوره داخل صفوف حركته وتدعيم دوره داخل جناحيها لا سيما العسكري. في العام 2012 انتُخب عضوًا في المكتب السياسي للحركة، وعلى الفور تولّى ملف التواصل مع الجناح العسكري. شرع السنوار خلال هذه المرحلة بتأدية أدوار أوسع متكئًا على علاقته المتينة بالعسكريين وصولًا إلى انتخابات العام 2017 التي خرج منها على رأس المكتب السياسي للحركة في غزة. كان توجه السنوار فور خروجه من المعتقلات إلى «أن يسيطر ويحكم وأن يكون الرقم 1 في صياغة الأمور في غزة»، كما يرى منصور.
ظل السنوار على رأس الحركة في غزة، وصولًا إلى استحقاق انتخابي جديد سبق السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بعامين. خرج منه مرة أخرى زعيمًا لـ«حماس» في غزة.. أعاد مسؤولو الانتخابات الداخلية التصويت «ثلاث أو أربع مرات» لضمان فوز السنوار. يقول منصور إن ذلك جاء تحضيرًا لـ«لحظة 7 أكتوبر»، مضيفًا: «كان واضحًا أن لدى السنوار والقسام مخططاتهم».
أدى زعيم «حماس» أدوارًا بارزة خلال هذه المرحلة، واهتمّ «بوتيرة غير مسبوقة في تاريخ الحركة» بتطوير العمل العسكري. يقول طالب: «الصوت الأعلى هو للعمل العسكري ومن دونه لكان السنوار شخصًا رماديًا مثل الآخرين».
مؤشرات مبكرة على «الطوفان»
يشير دولة إلى أن انطباعًا لطالمًا أحاط بالسنوار أنه «لفعلٍ كبير»، عززته خطاباته والرسائل التي أطلقها أكثر من مرة للأسرى في المعتقلات.. ويستذكر طالب خطاب السنوار الأول بعد الإفراج أمام الجماهير في ساحة الكتيبة وسط غزة: «كنت حاضرًا على المنصة حين قال: "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا". رأى أن صفقة التبادل كسرة لـــــ"إسرائيل"، ويمكن أن يَبني عليها كسرات أخرى».
يرى منصور أن عوامل عدة التقت عند السنوار قبل «7 أكتوبر» ورجحت كفّة «الجانب العقائدي» في قراءته الصراع، «جرًب السنوار مصالحة مع السلّطة وفشلت، جرّب التوصل إلى صفقة تبادل للجنود مع "إسرائيل" وفشلت. جرب رفع الحصار، جرب كل الطرق لإيجاد مخرج لوضع غزة ويحرر الأسرى وفشل، فلم يبقَ أمامه سوى هذا الخيار». يستدرك منصور: «لو كان هناك خيارات أخرى، «7 أكتوبر» ما كان ليحصل».
إسرائيل و«رمز الحرب»
منذ بداية الحرب على غزة، أضحى السنوار عنوانًا رئيسًا للحملة العسكرية على القطاع وصورة لشكل الانتصار الذي تطارده المؤسستان العسكرية والسياسية في "إسرائيل". ويرى منصور أن "إسرائيل" حوّلته «رمزًا» لهذه المواجهة، وحمَّلته المسؤولية الكاملة عمّا جرى، «إسرائيل بدأت تبحث عن صورة واسم يلصق في ذهن العالم ويصبح مثل هتلر وصدام والقذافي وتشاوشيسكو والديكتاتوريين في العالم. جاء ذلك محاولة لاختزال كل حماس وكل الذي يحدث وكل القضية الفلسطينية في شخص وشيطنته».
يرى منصور أن شكل نهاية الحرب في ذهن الإسرائيليين مرتبط بمصير السنوار، «هذا إمَّا بإخراجه؛ فيصبح إخراج السنوار كفرد أو مجموعة أشخاص كأنه فعلًا إخراج لـحماس من غزة، أو اعتقاله، أو تصفيته، أو بقائه مطلوبًا ومطاردًا، ليكون ذلك مسوغًا للاستمرار في عمليات الملاحقة ويتحول مثل الأشخاص الذين يديرون حركة من داخل نفق»، مضيفًا: «لكن كلما أصبحت سيطرة إسرائيل على الأرض أكبر، أصبحت مهمة السنوار أصعب، وصار الذهاب إلى الخيارات الأخرى أقرب».
السنوار «البراغماتي»
يرى من عرفوا السنوار أنه أدار، في بعض مراحل، سياسة «براغماتية». يقول منصور: «ربما يُفاجأ البعض أنه شخص يعقد صفقات. عقَد صفقات في مراحل سابقة مع الإسرائيليين، وهو قادر على التوصل لحلول وسط ومساومات في مراحل معينة لكن ضمن توجهاته». لكن، اليوم وبينما باتت "إسرائيل" تصف السنوار بالرجل «الحي الميّت» وتكثّف من عمليات البحث عنه فوق الأرض وتحتها في أرجاء القطاع الممدد تحت النار والدمار. يرى منصور أن أي زعيم إسرائيلي الآن أو مستقبلًا لن يكون قادرًا على التعايش مع بقاء السنوار في قطاع غزة، «حجم الحقد والتحريض والاتهامات والمسؤوليات التي أُلقيت عليه، والتعبئة التي قامت بها إسرائيل للشارع والإعلام وعلى مستوى العالم لا تُمكّن إسرائيل من الرجوع خطوة للوراء أو عقد صفقة معه تُبقيه في غزة في وضع طبيعي». مضيفًا: «لا يمكن لإسرائيل أن تسلّم ببقائه حيًا».
إلا أنه وبعد نحو 10 أشهر من الحرب وما خلَّفته من خسائر ودمار، لا يرى طالب أي نافذة للمرونة عند زعيم «حماس»، مشيرًا: «لا أتوقع منه تقديم أي مرونة بعد هذا الثمن الكبير الذي دفعه. أعتقد أن خطته وتوقعاته للحرب أنها مستمرة إن لم يكن لأشهر مقبلة، فلسنوات».