لم يكن وقع خبر استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خبرًا عاديًا على قلوب محبيه، كما لم يكن نعيه تقليديًا على صفحات بعض الصحف العالمية مهما كانت يمينية في سياساتها ومؤيدة للعدو الصهيوني. ومنذ اغتيال الشهيد إبراهيم عقيل، قيل إن الصحافة الأجنبية تحضر نعيًا للسيد حسن نصرالله في دلالة على توقّع إقدام "إسرائيل" على محاولة اغتياله، فكيف نعته الصحافة الأميركية الرئيسية حين دقت ساعة خسارة قامة مثله؟
لم يخلُ أي نعي أولي في أهم الصحف الأميركية من تعداد صفات السيد نصرالله التي ميّزته قائدًا عالميًا، معترفة بقدراته الخطابية والقيادية، إلى جانب تقديم معلومات عن عملية الاغتيال وردود الفعل عليها واستعادة محطات من حياته في أكثر من موقف وصراع. فقد ركّزت «نيويورك تايمز» في مقدمة خبرها الأساسي وعنوانه على نجاح السيد نصر الله في «تحويل الميليشيا المدعومة من إيران إلى قوة سياسية محلية وقوة عسكرية إقليمية مؤثرة وخصم قوي لإسرائيل».
خلال سنوات توليه القيادة، «تحولت لحيته السوداء إلى اللون الأبيض تحت العمامة السوداء التي ميزته كرجل دين شيعي موقّر»، معتبرة أنه ألهم الكثير من شعبه للقتال حتى الموت. كما استشهدت بوصف يوئيل جوزانسكي من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بأن نصر الله «سيد في ما يفعل» لفهمه العميق للسياسة الإسرائيلية التي استخدمها لمحاولة التأثير على الجمهور الإسرائيلي للضغط على حكومتهم. ووصفت الصحيفة نصر الله كأحد أكثر الخطباء تميزًا وإجادة في العالم العربي، وقد «ربط خطاباته بإشارات إلى استعادة الرجولة العربية المفقودة، وهي الرسالة التي تردد صداها في جميع أنحاء منطقة تعاني منذ فترة طويلة من الشعور بالعجز في مواجهة إسرائيل وداعميها الغربيين الأقوياء». وعدّدت «نيويورك تايمز» صفات نصرالله الذي «بدا دائمًا هادئًا، واثقًا، مخلصًا، ومطلعًا جيدًا، مسيطرًا على الحقائق والموقف، مكرسًا تمامًا لقضيته ورجاله. وحاول أن يمنح منظمته السرية المدججة بالسلاح جوًا من الشفافية من خلال مشاركة تفاصيل ساحة المعركة». واعتبرت الصحيفة أنه بدا أقل صرامة من معظم رجال الدين الشيعة، معيدة ذلك إلى «لثغته الخفيفة وميله إلى إلقاء النكات».
في معرض تبيان محطات من حياة نصرالله، أضاءت الصحيفة على توسيع نطاق عمل حزب الله خارج لبنان محددة سوريا والعراق واليمن، لتعرض وجهتي النظر بين محبيه وكارهيه، فقد كان «يتمتع بإخلاص هائل من القاعدة الإسلامية الشيعية لحزب الله، والتي رأت فيه زعيمًا دينيًا وسياسيًا كاريزميًا واستراتيجيًا عسكريًا كرّس حياته للمقاومة والقتال ضد إسرائيل»، مقابل كونه بالنسبة للإسرائيليين إرهابيًا مكروهًا لكنه «حظي أيضًا باحترام على مضض من جانب الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي تابعت خطاباته عن كثب بحثًا عن مؤشرات حول ما قد يفعله حزب الله بعد ذلك». واعتبرت «نيويورك تايمز» أنّ حزب الله سعى إلى صراع محدود مع إسرائيل في جبهة الإسناد لغزة، لكنّ «الضربة على زعيمه تثبت أنه أخطأ في حساباته». أما صحيفة «واشنطن بوست»، فقد وصفت نصرالله بأنه أحد أقوى القادة في الشرق الأوسط ورجل الدين الشيعي الذي نجح في تحويل هذا الحزب من «حركة عصابات لبنانية إلى منظمة شبه عسكرية تعدّ الأكثر قدرة في المنطقة حتى لتعد العدو الرئيسي لإسرائيل» باعتبار أنّه «كرس حياته لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة».
استشهدت الصحيفة بسفير "إسرائيل: في الولايات المتحدة في العام 2006 دانييل أيالون الذي وصف نصرالله بأنّه «أذكى زعيم في العالم العربي، والأخطر على الإطلاق». وقد أشادت الصحيفة بقدرته على الخطابة لساعات من دون العودة إلى ملاحظات، بطريقة شعبية وواضحة جعلته خطيبًا ماهرًا. وكذلك، سلطت الضوء على علاقة نصرالله بجمهوره، فهو القائد الذي «يحظى باحترام أتباعه كمنقذ»، كما كان يمثل لهم «شخصية الأب والبوصلة الأخلاقية والمرشد السياسي»، على اعتباره «الرجل الذي مكّن المجتمع الشيعي اللبناني الذي كان مضطهدًا وفقيرًا ذات يوم، وحماه من التوغلات الإسرائيلية من خلال تحويل حزب الله إلى قوة ردع هائلة». وذكرت الصحيفة أنّ نصرالله اعتبر الزعيم العربي الوحيد الذي نجح في كبح جماح إسرائيل طوال ما يقرب من ستين عامًا من وجودها، لذا «احتفى به العالم العربي باعتباره بطلًا» بعد تحرير عام 2000 ونصر تموز 2006، من دون أن تغفل الصحيفة الاتهامات التي سيقت للحزب عقب الانقسامات الحادة التي طبعت مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعدها مشاركة الحزب في الحرب في سوريا والعراق واليمن ودوره فيها. لكنّ الصحيفة اعتبرت أنّ هذه الصراعات زادت من نفوذ نصر الله حتى «أصبح بمثابة ورقة رابحة قوية» في مساندته للمقاومة الفلسطينية، وكذلك «الجهة غير الحكومية الأكثر تسليحًا في العالم».
رأت الصحيفة أنّ نصرالله ظل الحليف العربي الأقوى والأكثر ثقة بالنسبة لإيران، «مما مكّن طهران من بسط نفوذها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط». أما داخليًا، وعلى رغم أنه لم يشغل أي منصب رسمي في الحكومة، إلا أن السيد نصر الله كان السياسي الأكثر نفوذًا في لبنان في نظر الصحيفة. وذكّرت بإدراج وزارة الخزانة الأميركية نصر الله على قائمة الإرهابيين العالميين، وبـ«ضلوع حزب الله في تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983».
استشهدت الصحيفة في معرض مقابلاتها باعتقاد أنّ «موت نصرالله سيترك فجوة كبيرة وأن العصر الذهبي لحزب الله يموت معه»، على اعتبار أنّ «نصر الله هو حزب الله، وحزب الله هو نصر الله». وعنونت «وول ستريت جورنال» بـ «موت حسن نصر الله يحرم حزب الله من قلبه النابض»، واصفة إياه بالزعيم الكاريزماتي الذي كان يحظى باحترام كبير في الشرق الأوسط، وبأنه منظّر إسلامي شرس «حوّل الجماعة الشيعية المسلحة إلى أقوى قوة مسلحة غير حكومية في العالم بدعم من إيران». كما اعتبرت في خبر مستقل أن عملية اغتياله ضربة كبيرة وهي إحدى أكثر الضربات عدائية من قبل إسرائيل التي أرادت «القضاء على رجل الدين الذي قاد حزب الله ثلاثة عقود وحوّله إلى عدو مخيف بالنسبة إلى الإسرائيليين». وركّزت «لوس انجلوس تايمز» على رواية الحدث من وجهة النظر الإسرائيلية، مقدمة معلومات حول عملية الاغتيال وآراء العدو والرئاسة الأميركية والتي بررت الجريمة. ثم اعتمدت وصف الفوضى التي خلفها الحدث بين اللبنانيين وبث روح الهزيمة عبر مقابلات خاصة ادّعت أنها أجرتها في ضاحية بيروت الجنوبية التي وصفتها بمدينة الأشباح، وإحداها مع رجل سوري يفضل العودة الى سوريا الخطرة بنظره على البقاء في الضاحية، و«مع شابين من حزب الله ينعيان المستقبل مع ما يحدث حولهما من ضربات». كما استشهدت الصحيفة بآراء محللين بأنّ «موت نصر الله يمثل ضربة قوية لحزب الله، لكنّها ليست ضربة قاتلة، خصوصًا أنّ جذر التنظيم والإيمان بالقضية لا يزال قائمًا». وأضافت أن «حزب الله» يمكن أن يستمر في إلحاق الأذى بالإسرائيليين في المرحلة المقبلة.
كما رأت صحيفة «يو أس توداي» أنّ «مقتل زعيم حزب الله يقلب المنطقة رأسًا على عقب»، فاردة مساحة لوجهة النظر الإسرائيلية ومركّزة على المجريات وكيفية تنفيذ الاغتيال. ووصفت الحدث بأنه ضربة هائلة لحزب الله وإيران، مع الاعتراف بالمزايا التي يمتلكها نصرالله «فهو معروف حتى من قبل أعدائه باعتباره خطيبًا يتمتع بشخصية كاريزمية، ويتابع إطلالاته الأصدقاء والأعداء على حد سواء». وأضافت الصحيفة أنّ نصر الله كان يستخدم خطاباته لحشد قاعدته الشعبية ولتوجيه تهديدات محسوبة بعناية لعدوه، «وغالبًا ما كان يلوّح بإصبعه أثناء قيامه بذلك».