من بين كل عناوين الصحف المصرية الصادرة صباح الأحد الماضي، وحدها جريدة «المصري اليوم» غرّدت خارج السرب لناحية تناولها لاستشهاد أمين عام «حزب الله»، السيد حسن نصر الله. الجريدة الوحيدة في المحروسة التي لا تزال تحافظ على هامش مهني خجول، عنونت: «حسن نصر الله يغادر ضاحيته الجنوبية»، من دون استخدام كلمة «استشهاد» أو إدانة إسرائيل في المانشيت طبعًا.
لكن على الرغم من ذلك، نجحت في التفرّد عن باقي الصحف المصرية، الحكومية والحزبية، التي تكتب بقلم واحد.اختارت الصحف المصرية الأخرى عناوين تقليدية كـ «اغتيال حسن نصر الله»، فيما أضافت بعضها عبارات على شاكلة «إسرائيل تعلن عن...»، بل أنّ بعض هذه الصحف التي تعانى انهيارًا غير مسبوق في المبيعات، وضعت خبرًا بهذا الحجم في أسفل صفحاتها الأولى!
ما فعلته الصحف المصرية، لا يختلف كثيرًا عن الشاشات التلفزيونية سواء التي تديرها مباشرة «الشركة المتحددة للخدمات الإعلامية (المملوكة للاستخبارات المصرية) أو غيرها. فالكل يعمل على النسق نفسه، بما في ذلك القنوات التي يُفترض أنّها خبرية «تمثّل صوت المحروسة في الإقليم»، مثل «القاهرة الإخبارية». تعاطت هذه الأخيرة مع الأمر من دون تضامن حقيقي، مكتفيةً بتغطيات استضافت خلالها محللين وخبراء معظمهم يمسكون العصا من الوسط، ويتكلّمون وكأنّ لبنان ومن قبله غزة في كوكب آخر.
«شبه معدومة». هكذا يمكن وصف تغطية القنوات العامة التابعة لـ «المتحدة» لاغتيال السيد نصر الله. أما السبب، فبسيط! البرامج الحوارية والسياسية المسائية متوقفة ــ من دون سبب معلن ــ على كل هذه الشاشات منذ مطلع تموز (يوليو) الماضي. وبالتالي لا مساحات أصلًا يمكن من خلالها تقييم حجم التغطية، فيما اكتفى تامر أمين في برنامجه «آخر النهار» على قناة «النهار» باستضافة الإعلامي اللبناني طوني خليفة الذي اكتفى بدوره بالندب والعويل على حال لبنان والخشية من حرب أهلية!
في ظلّ أداء الإعلام التقليدي غير المستغرب في ظل نظام يمعن في التواطؤ مع العدوّ الإسرائيلي وحماية مصالحه، لم يجد المصريون سوى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن حزنهم الشديد إزاء استشهاد نصر الله، والدخول في نقاشات ساخنة ضد كل من فقد التمييز واصطف إلى جانب الصهاينة بسبب خلافات سياسية سابقة. هؤلاء لم يلتفتوا يومًا إلى أنّ الصهاينة يتعاملون مع العرب على قاعدة «من التالي؟».
في هذا السياق، ساد نوع من القلق بين حسابات افتراضية مختلفة، خصوصًا عبر فايسبوك، تساءلت حول إذا ما كان سيحين دور مصر، ليخرج الرئيس عبد الفتاح السيسي، صباح الأحد، ويرد مباشرة «مطمئنًا» المصريين، من دون أن يذكر اسم أي دولة أو حالة بعينها. رد مقتصب على غير عادته، أفردت له الصحف والقنوات على مدار يومي الأحد والاثنين مساحات تجاوزت كثيرًا تلك التي خصّصتها على استيحاء لمتابعة استشهاد نصر الله الذي جاء في الذكرى الرابعة والخمسين لرحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وقبل أيام من الاحتفال بالعيد الحادي والخمسين لنصر أكتوبر، ومرور عام على طوفان الأقصى. كل هذه الإشارات لم يقف عندها الإعلام المصري بعد، مكتفيًا بالنأي بالنفس حتى إشعار آخر.