" مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا "
تَعبُر الشهادة طلائع الحرية والعزة، لتختار أعزة الإسلام لتُعرج بأرواحهم إلى سماء الفتح والانتصارات، ولتجعل من دمائهم وقودًا يحرك به بنادق الأبطال من خلفهم.
نعم؛ إن للنصر والفتوحات ثمن غالِ، وليس هناك أغلى من دماء الأحرار والشرفاء من قادات الحرية والعزة، من رسموا طريق الجهاد بنضالهم وتضحياتهم، وعبّدوا طريق تحرير القدس والأقصى بأرواحهم ودمائهم.
دماء تسيل وأرواح تُعرج، وأجساد تُنهك، وقاداة يستشهدون، كل ذلك ليكون النصر مكلل بعبق الشهادة، وتضحيات العظماء، وطهارة الأزكياء، واستبسال الشرفاء.
يحيى السنوار الملقب"برجل طوفان الأقصى" الثائر الذي ولد في مخيم اللاجئين قرب مدينة خانيونس جنوب غزة في العام 1962م، بعد ما نزح أبواه مع آلاف من فلسطينيين آخرين من مدينة عسقلان، ليتفتح وعيه وهو في الخامسة من عمره على وجوه محتلي أرضه وهم يقتلون والده، ويرى رصاصهم المميت وبطشهم العنصري واليهودي عن كثب خلال احتلالهم، بطشهم الذي طال كل ما قد تبقى من أرض فلسطين مما فيها المنطقة التي أقيمت فيها خيام اللاجئين، لذلك كسر الفتى بدخوله عمر 15 قيوده، وحرر عزيمته واشتعلت بداخله الروح الجهادية والثورية مع عشرات الألوف من رفاقه المنتمين إلى المخيمات والقرى والمدن المحتلة، في معركة الكفاح الوطني التحرري، المعركة التي خاضها في مقدمة الصفوف موجعًا ومنكلًا بجنود العدو، فاعتقله العدو مرتين بتهمة تأسيس جهاز أمني لحركة حماس، ثم عاد واعتقله مرة ثالثة ويُحكم عليه بالسجن المؤبد ولمدى الحياة.
قضى الشهيد يحيى السنوار، في السجون الإسرائيلية 22عامًا، لم يألُ فيها جهدًا عن ممارسة جهاده رغم احتجازه، ثم أُطلق سراحه في« صفقة وفاء الأحرار »عام 2011م مع ما يزيد عن ألف أسير فلسطيني بادلتهم حركة حماس بالجندي الإسرائيلي الذي كان أسيرًا لديها.
ما كان الشهيد يخرج من الأسوار والأسلاك الشائكة إلى فضاء الحرية النسبية في قطاع غزة حتى تسارع صعود نجمه في قيادة حماس وزادت حركات جهاده مما كان يغيظ العدو الإسرائيلي، فقد كان رعبهم الذي ما لبث في سجونهم حتى خرج كأسد جاسر للتنكيل بهم تحت راية حركة حماس والمقاومة الإسلامية في فلسطين ،بعدها صار رئيس المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة في العام 2017م، ثم انتخب بالإجماع رئيسًا لها في ذروة الحرب التي تشنها "إسرائيل" وذلك بعد استشهاد القائد إسماعيل هنية.
استشهد القائد يحيى السنوار، وهو يحمل بندقيته، كرار غير فرار، على أرض المعركة بعد التحامه بالعدو والاشتباك معه، في أشرف صورة يسجلها القائد، لينضم بذلك إلى رفاقه القادة الشهداء الذين سبقوه في درب النضال والتحرر، وإلى 42 ألف شهيد فلسطيني أبادتهم آلة الحرب الإسرائيلية، كما أبادت من قبل ألوفٍ آخرين.
عمّد السنوار بدمه الزكي الطاهر في ذاكرة الفلسطينيين وكل شرفاء الأمة ما لا ينمحِ بقيادته وجهاده ونضاله وقوة مواقفه، وكان أبرزها قيادة العملية العسكرية «طوفان الأقصى» في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأأول الماضِي التي قامت بها فصائل المقاومة ضد "إسرائيل"؛ فكانت العملية النوعية المنكلة منذ دخول العدو المحتل على أرض وطنهم، وما يزال رجاله من كتائب القسام يقاومون العدو ومعهم قوى فلسطينية وفصائل أخرى كأكبر حملة عسكرية عرفتها المنطقة منذ 80 سنة على الأقل.
سيظل باب الحديث عن هذا الشهيد مفتوحًأ على وسعه، فقد دخل العدو إلى معركة أقفلت عليه جميع أبواب التمسك بميزانية القوى، وذاك هو تماما ماضلت تفعله الثورات التحررية عبر التاريخ، فقد تمكن السنوار وهو حيًا واليوم وهو شهيد من خلخلة أسس المكانة التي تبوأتها قوة الاحتلال بوصفها قوة لا تقهر، وإثبات أن النصر قادم ولو كان ثمنه باهض، فالسلام عليك يا أبا إبراهيم، والسلام عليك مجاهدًا وأسيرًا وقائدًا وشهيدا.
#اتحاد_كاتبات_اليمن