يعمد جيش الاحتلال إلى تدمير آثار ومعالم تراثية خلال عدوانه على لبنان. من المعالم الأثرية التي استهدفت أخيرًا، قبة دورس في بعلبك، التي تضرّرت بفعل ضربات الاحتلال الإسرائيلي على البلدة، ما أدى إلى تصدعها وانهيار قسم من تاجها العلوي وزعزعة أعمدتها. دورس موقع يعود إلى القرن الثالث عشر، يتمثّل في قبة فوق ثمانية أعمدة من الغرانيت الأحمر، شُيّدت بحجارة وأعمدة آثار معابد بعلبك.
كذلك، تعرض محيط معابد بعلبك إلى قصف عنيف على بعد 500 متر منها، ما يخلف تداعيات سلبية على هذه الآثار.
كما عاشت مدينة صور تحت وطأة التهديدات الإسرائيلية والتحذيرات وقد أخليت من غالبية سكانها، وتعرضت المدينة التي تحوي معالم أثرية كبيرة إلى غارات مكثفة.
صور من المدن الأقدم على ساحل البحر المتوسط، ولها قيمة تاريخية عريقة، كما أنّها شاهدة على حقبات وحضارات بشرية متعددة، نظرًا إلى غناها بإرث الإمبراطورية الرومانية والحضارات المتعاقبة. وغالبية آثار صور مدرجة ضمن لائحة التراث العالمي، وهي تعود إلى حقب تاريخية مختلفة تمتد بين خمسة آلاف سنة قبل الميلاد وحتى القرن التاسع عشر. وبعض آثارها غير مكتشفة تحت الأرض وفي جوف البحر.
كما تعمّد الاحتلال استهداف سوق النبطية التجاري الشهير وتحويله إلى رماد، هو الذي يشكل جزءًا من الهوية التراثية والثقافية والاجتماعية للمدينة. وتحظر قوانين الحرب ارتكاب أي عمل عدائي موجه ضدّ الممتلكات الثقافية، كما يحظر استخدامها في دعم المجهود العسكري. يميّز القانون الدولي بين الآثار التاريخية والأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكّل التراث الثقافي لشعب معين ويعطيها درجة حماية عامّة.
أما المواقع الدينية التي كانت عرضة إلى الاستهداف في جنوب لبنان منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، فهي: مقام النبي بنيامين في محيبيب، ومسجد يارون، ومسجد الظهيرة، ومسجد شبعا، وكنيسة دردغيا، ومسجد طيردبا، ومسجد كفرتبنيت، ومسجد الثقلين في مجدل سلم، ومسجد بليدا.
يقول وزير الثقافة اللبنانية محمد مرتضى إنه منذ بداية الحرب "يستهدف الاحتلال المواقع الثقافية، مثل الاعتداءات على قلعة تبنين بالقرب من موقع بعلبك، وتدمير سوق النبطية. يقصف الاحتلال التراث المادي وغير المادي بهدف محو الهوية والذاكرة والتاريخ وتجذر الناس في أرضها". يضيف: "عن سابق تصور وتصميم، يهدم الاحتلال القرى التاريخية ومحيطها الطبيعي، كحقول الزيتون والخروب والعنب والتين".
وقّع لبنان على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الآثار، ومن بينها اتفاقية لاهاي وبروتوكولاها لسنتي 1954 و1999، واتفاقية منظمة يونيسكو لحماية الإرث الثقافي لسنة 1972. في هذا السياق، يقول مرتضى: "نحن نحترم المواثيق الدولية ونطبقها، ونتمنى من جميع الأفرقاء المعاملة بالمثل. إلا أن العدو يعتمد على حجج واهية ويتحايل على هذه المواثيق". طالبًا "من المجتمع الدولي إلزام إسرائيل التقيد بمضامين المعاهدات الدولية واحترامها".
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، عمد مسؤولو بعض المواقع الأثرية إلى وضع الأعلام الزرقاء في محاولة لحماية الآثار من الاستهدافات الإسرائيلية. بدوره، أزال وزير الثقافة الأعلام آنذاك احتجاجًا أمام المجتمع الدولي لعدم تقيد الاحتلال الإسرائيلي بالمواثيق الدولية، وهو احتجاج رمزي، وليس تخليًا عن تطبيق الاتفاقيات الدولية.
على مرّ الحروب الإسرائيلية السابقة على لبنان، دمر الاحتلال العديد من المواقع الأثرية والتراثية في لبنان. ويلفت مرتضى: "إلى أنه خلال احتلال الجنوب، أنجز الجيش الإسرائيلي أعمال حفر قرب الآثار وسرق بعضها من لبنان". يضيف: "إعادة بناء القرى التراثية والتاريخية ومحيطها الثقافي والطبيعي تقدر بمليارات الدولارات"، مشيرًا إلى أن "لبنان يعاني أزمة اقتصادية حادة"، مناشدًا المجتمع الدولي الوقوف إلى جانب لبنان لإعادة بناء التراث الثقافي.
في ما يخص الإجراءات الممكن اتخاذها لحماية التراث اللبناني، يقول مرتضى: "على الصعيد الداخلي، فُعّلت خطة حماية المواقع الأثرية والمتحف الوطني بتعاون العديد من الشركاء اللبنانيين، وعلى رأسهم الجيش عبر وحدة حماية الممتلكات الثقافية في فوج الأشغال، والعديد من المنظمات غير الحكومية الموثوقة من وزارة الثقافة".
وجّه مرتضى كتابًا إلى منظمة يونيسكو، مطالبًا باتخاذ خطوات عاجلة دوليًا لحماية 95 موقعًا ثقافيًا من ضمنها المواقع اللبنانية المدرجة على لائحة التراث العالمي، إضافةً إلى طلب حماية معززة وفقًا للبروتوكول 2 لسنة 1999 لنحو 34 موقعًا ثقافيًا معرضًا للخطر بسبب القصف، وقد طالب أيضًا بإجراء ما يلزم لجهة التقدّم بالشكاوى أمام المراجع المختصّة. كما حضّرت وزارة الثقافة عبر المديرية العامة للآثار استمارات الحماية المعززة للمواقع الـ34 المعرضة للخطر. ومن المفترض أن تعقد منظمة يونسكو اجتماعًا في 12 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لبحث تأمين الحماية المعززة للمواقع التي حددت.
كما بدأت الوزارة وفق مرتضى "بتشكيل خارطة طريق لإعادة الترميم والبناء لموروثنا الثقافي بالتعاون مع الدول الصديقة. وسُينشأ صندوق دعم من أجل ذلك. كما أطلق الحكومة اللبنانية حملة دعم من أصدقاء لبنان من أجل إعادة الإعمار".