د. أنور موسلى كاتب وأستاذ جامعي من لبنان
تطبيقًا لمقولة: "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، أعلنت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية أن مشجعي فريق "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي تعرضوا لهجمات عنيفة في العاصمة الهولندية أمستردام، بعد المباراة التي انتهت بفوز "أياكس"، من دون أن تذكر دوافع الهجمات وخلفياتها ومسبباتها وعواقبها... وهنا تطرح الأسئلة الآنية: ماذا حدث بالفعل؟ وما البواعث والخلفيات والعواقب المتوقعة في أوروبا والعالم؟!
...كعادتها تحاول الصحافة الصهيونية عرض عنصر الاضطهاد و"المظلومية"، والإيحاء بأن من يتعرض للإسرائيليبن معادٍ للسامية وإرهابي... ولكن في هذا الوقت بالذات الأمر مختلف تمامًا، ولا سيما في ظل الإبادة بحق المدنيين!
يأتي هذا الحدث في ذروة الصراع بين الصهاينة والمقاومة في غزة ولبنان، ما يثير دلالات كثيرة جدًا على صعيد توسيع الصراع في كل أوروبا والعالم... لدرجة أن بعض المحللين الصهاينة أقرّ بأن جبهة جديدة فتحت في أوروبا ضد "إسرائيل"!
الغريب وقاحة الصهاينة الذين نظموا مسيرات استفزازية مع هتافات وشعارات نابية ضد الفلسطينيين، والأغرب والمثير للتعجب، وجود جنود إسرائيليين بينهم، فضلًا عن تأكيد غير وسيلة إعلامية استهزاء جمهور الصهاينة بأطفال غزة، ونزع عشرات الإعلام الفلسطينية التي وضعها هولنديون على منازلهم منذ أشهر تضامنًا مع ضحايا غزة، وكان سبق ذلك تمزيق العلم الفلسطيني خلال المباراة، ما أثار غضب مؤيدي فلسطين، وأدى إلى المواجهات التي تعد بمزلة "الشعرة التي قصمت ظهر البعير"!
كما تشير التقديرات إلى أن الشرطة الهولندية اعتقلت سبعة وخمسين شخصًا، وأعلنت عن إصابة عشرة "إسرائيليين" في المواجهات، وإن أكد شهود عيان إصابة ما يزيد على مئة صهيوني...فتلك الأحداث، وما تلاها من استنفار مكتب نتنياهو الذي أرسل وزير خارجيته إلى هولندا، ثم إجلاء المشجعين الصهاينة من هولندا، حيث قدر عددهم بنحو 2700 شحص، تترك بصماتها الكبيرة على بذور مواجهة في المستقبل القريب في أوروبا والعالم بين الطرفين... ولا سيما أن الرأي العام الشعبي العربي والمسلم وغيره من اللاجئين وأحرار العالم، لا يتعاطف مع المدنيين في غزة ولبنان وحسب، بل بات قسم منه يشعر بتقصير تجاه القضية الفلسطينية... ولعلّ ذلك ما فسر المظاهرات الكبيرة التي نظمت في غير دولة أوروبية، مطالبة بوقف إطلاق النار في غزة.. فأينما اتجه الصهيوني، فسيجد نفسه مطاردًا ومنبوذًا، سواء في الرياضة أو المهرجانات أو الفعاليات العالمية... ولا غرابة في أن يصبح عبئًا على الأوروبيين أنفسهم والعالم أجمع... إذ لا يعقل أن يفرد لكل سائح إسرائيلي في القادم من الأيام أكثر من شرطي ليحرسه...!
وهكذا غدت مشاركة الصهيوني في أي فاعلية غربية عبئًا ثقيلاً على الدول المستضيفة نفسها، وهو هاجس لن تستطيع دول العالم عامة تحمله...
يبدو أن إدارة نتنياهو لمّا تلتفت بعد إلى هذه النقطة الخطيرة، فهي غاطسة بمجازرها، متنشية بسفك دماء الأطفال والمدنيين وتهديم المنازل على قاطنيها، فضلًا عن تدمير الآثار والتاريخ وحتى الحياة! فهي كمن يضع رأسه وراء إصبعه، ظنً منه أن العالم لا يشاهده... لكنه يصدم بمطبات الانتقام والمواجهة والتتبع والرصد...
في الواقع؛ أن هذه الأحداث ليست الوحيدة في أوروبا، ولكنها تعد الأحطر والأوضح، كونها رصدت في الإعلام والكاميرات في وقت مصيري ووجودي بالنسبة إلى الاحتلال... ولعلّ هذا ما فسر الظن بوجود رهائن بيد الملثمين المتضامنين مع غزة... وهو ما قد يحصل بالفعل في أحداث مقبلة...!
لقد عبر المتضامنون، سواء أعدوا للمواجهة مسبقا كما ادعى الإعلام الإسرائيلي، أو جاءت "انتفاضتهم" رد فعل عفوي على استفزازات حرق الأعلام والشتائم... عبروا عن تضامنهم وتفريغ مكبوتاتهم بطريقتهم، حاملين رسالة مدوية مفادها: "لن نترك جرائم الاحتلال بلا عقاب، ولن ننسى الإبادة، ولن ننسى الطفل الممزق والمدني المعذب..."
داس المتضامنون على المشاغبين الصهاينة، وأحرقوا علم الاحتلال... قالوا كلمتهم وإن منعوا من التضاهر... لكن الأهم من ذلك نجحوا بإيصال رسالتهم إلى كل العالم... رسالة صريحة ملخصها أنه سيمشي الصهاينة في أوروبا وكل العالم وهم ينظرون خلفهم، مخافة الانتقام لدماء غزة ولبنان... وهذا العبء كبير على الأوروبيين وكل العالم...
صفوة القول هذا هو الكابوس الذي سيؤرق أميركا والعالم في حال استمر مسلسل الإبادة في غزة ولبنان... فهل من متعظ؟!