تضجُّ وسائل التواصل الاجتماعي بالشكاوى وتزدحم وسائل الإعلام بالأخبار والكلام عن تقصير الدولة اللبنانية في واجباتها تجاه النازحين اللبنانيين في شتى المناطق التي انتقلوا إليها، ولولا قيام بعض الجمعيات الأهلية وبعض البلديات وبعض الأحزاب والمتطوعين من المستقلين ومن دور العبادة والمدارس والكثير من الهيئات الشعبية، لكان أهلنا في أزمة أكثر اشتدادًا وألمًا مما هم فيه، بعد أن تركوا حياة العز والرخاء في قراهم ومنازلهم.
تنتشر أخبارٌ يندى لها الجبين، ليس فقط عن التقصير، بل أيضًا عن سرقة بعض المساعدات القادمة من العراق ومن غير العراق، وبيعها في الأسواق بدل توزيعها على مستحقيها.
فبدل أن تقطع الحكومة يد السارق وتقدم بدلات الإيجار للمتزحزحين من بيوتهم كرهًا، وبدل أن تمنع رفع الإيجارات عليهم من بعض المالكين الجشعين، نراها تصم آذانها عن السمع وتغمض عيونها عن النظر.
معع الأسف، الحكومة، كسابقاتها، وباستثناء بعض وزرائها، تنتهج سبيل التسول باسم الكوارث التي تحل بشعبها. وفوق أنها لا تقوم بواجباتها، تُسَلِّمُ المساعدات الواصلة إلى أناسٍ غير مؤتمنين، بل سماسرة متحكمين بمفاصل البلد. وبدل أن تساعد شعبها النازح، تدير له ظهرها وتدفن رأسها في الرمال، وتسلم أمر توزيع ما تبقى من المساعدات للمحسوبين الذين يوزعونها على مزاجهم وحسب أهوائهم، فيعطون المحظوظين ويحرمون المحتاجين.
باختصار، إن لبنان يعيش في زمن اللادولة واللامسؤولية، في الوقت الذي هو بأمسِّ الحاجة إليهما. فكأنه لا يكفينا العدو الخارجي الذي يستعمل كل أسلحته الفتاكة لتدميرنا وإبادتنا، حتى نُبتَلى بمسؤولين ليسوا بمسؤولين، بل أكثرهم "قرطة" تجار وحراميّة وسماسرة يتاجرون بنا وبلقمة عيشنا وبمصيرنا وبمصائبنا.
إلى متى سنبقى رهينة أشخاص فاسدين يمارسون جشعهم وقلة أخلاقهم بالمتاجرة بأهلهم ومواطنيهم؟
إلى متى سنسمح ببقاء هؤلاء الفاشلين إداريًا وسياسيًا، والمنحطين أخلاقيًا، راكبين على ظهورنا يتحكمون بنا؟
ما هو المطلوب إذًا؟
برأيي المتواضع، يجب على الحكومة أن تبادر بأسرع وقت إلى إنشاء خلية أزمات مؤلفة من أنزه الوزراء والنواب والقضاة والقادة الأمنيين، بعيدين عن المحاصصة والمحسوبيات والسمسرات، تتجلى فيها الوحدة الوطنية، يشارك فيها كل الفرقاء دون استثناء، مع الترفع عن المناكفات المعهودة. وأن يتم تطوير ودعم اللجان الشعبية الموجودة على الأرض حاليًا، والتي تتطوع لرعاية شؤون النازحين، ودعمها بالمزيد من الإمكانات والوسائل وتقنيات العمل. والمفترض أن تشمل الرعاية كل الجوانب المعيشية والتربوية واللوجستية، الخ. فإذا لم نتحد ونتضامن في الأزمات والحروب، متى يمكننا أن نفعل؟