أوراق ثقافية

عن Wicked والأميركيين الذين لا يفهمون أفلامهم

post-img

طُرح فيلم Wicked أخيرًا في الصالات اللبنانية بعد أشهر من الجولات الصحافية المتواصلة للفيلم. في هذه الحوارات مع الممثلين، تبيّنت مواضيع الفيلم من النسويّة، والصداقة، وصولًا إلى تقبّل النفس والآخر. سادت هذه المقابلات المشاعر القويّة، فالبعض قد أخذ العمل كماسحة لفرض الذات، المختلفة بالأخص، بعد فوز ترامب في الإنتخابات الرئاسية والتخوّف من التشدد اليميني الذي قد يخطف أميركا.

لكن حين تشاهد هذا الفيلم، وأنت من بيئة مختلفة وحياة متباينة وأوليات مغايرة، ترى نفسك تشاهد فيلمًا مختلفًا عن الفيلم الذي شاهده الأميركيون. يظهر الفيلم بشكلٍ دقيق حقيقة الوقوف مع الحق في عالم حاكمه باطل، وهو الواقع الذي نعيشه في الشرق الأوسط حين نقف ضد المخطط الاستعماري في المنطقة.

ساحر «أوز» (جيفري غولدبلوم) هو كالولايات المتحدة، يحوّر التاريخ، يصوّر نفسه على أنه منقذ العالم، ويحتفل به الجميع ظنًّا أنّه العدل على الأرض، لكن وراء كلّ هذه الألاعيب والأوهام البصرية، إنه حاكم مستبد، يستعمل كل أساليب القمع للسيطرة على «أوز». وإن كنّا نريد التعمق أكثر، فهو أتى من أرضٍ غريبة، لكي يحكم «أوز» تحت ذرائع كاذبة، مثل احتفال الأميركين بـ «عيد الشكر»، وهو يوم بداية احتلال مرير للشعب الأميركي الأصلي. فساحر «أوز» ليس بساحرٍ، وكل ما يجيده هو التلفيق والدراما، فهو يجمّل صورته كما هوليوود تجمّل صورة الولايات المتحدة.

وعندما وقفت «ألفيبا» (سينتيا إريڤو) ضد الظلم، مناصرةً للضعيف ولمن خسر صوته، قد سُميت بالشريرة wicked. لِمَ تقف بوجه الظلم وهي ليست قوية كفايةً لتواجه ساحر «أوز»، فمناصرتها للضعيف يجب أن تعاقب. إحذروا منها، إنها عنيفة، لم تختر «السلم»، إنها إرهابية... وحده الحاكم (الولايات المتحدة / ساحر «أوز») له الحق بالعنف. انظروا الى بشرتها الخضراء، هذا دليل على طبيعتها الشريرة، كما يحكم الغرب على من بشرته غير بيضاء وعيونه غير زرقاء. ونرى في هذا العالم المحكوم من الباطل، كيف تَسلم إن اخترت الأنانية، بل تكافأ. فعندما استسلمت «غلندا» (أريانا غرندي) لحرّاس «أوز»، وعدوها بالأمان وبالشهرة وبالنجاح.

في وقتٍ تتساقط فيه القنابل الأميركية علينا من كلّ ميل، نجد صعوبة بأن لا نرى واقعنا في هذه الأفلام، حتى لو كان العمل من بلد وخلفية مختلفين، ولو أنّ صانعيه لم يخططوا لمعالجة هذه المواضيع، تشعر بأن الأميركيين لا يفهمون أفلامهم كما نفهمها. فحرب الحق على الباطل هي ذاتها، أكان في الشرق الأوسط أو أميركا أو «أوز»، والطغاة هم ذاتهم وأساليبهم نفسها على مر التاريخ. فعند دراسة العالم الخيالي, تجد نفسك تفهم الواقع أكثر، فما كان ترفيهًا للهروب من الواقع المرير، يصبح تذكيرًا به والحث إلى تغييره.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد