أوراق إعلامية

يومَ وقعت صحافية «الجديد» في حبّ «الكاوبوي» الأميركي

post-img

فيما كانت المشاورات على قدم وساق للتوصّل إلى اتّفاق وقف إطلاق نار من طرف واحد في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع للموفد الأميركي عاموس هوكشتين، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية والذي خدم سابقًا في «جيش» الاحتلال، مأخوذًا ضمن زيارته للبنان. للمفارقة، يحمل الموفد أيضًا اسم النبيّ المذكور في «التناخ» اليهودي، فكيف لا نعتبره «نبيًّا» وهو أتى نيابةً عمّن أروا اللبنانيّين انتقال الموت الذي شرحه جبران خليل جبران بالإنكليزية قبل قرن!

في المقطع المذكور، «ظهر» هوكشتين وهو يرتاد أحد الفروع البيروتية لمقهى «ستاربكس» المعروف بتصدّره لائحة المقاطعة بسبب دعمه كيان الاحتلال الإسرائيلي. في هذه الأثناء، تجمّع حوله بعض مرتادي المقهى، فالمقهى يمثّل كما الموفد، «البلدَين» الأعزّ إلى قلوبهم بعد لبنان! وإذ بصوت سيّدة يصدح، معلنًا بالإنكليزية أيضًا، بأنّ «النبيّ» لن يتكلّف ثمن قهوته الباهظ (بالنسبة إلى عامّة الشعب وليس هؤلاء): «أنت ضيفنا!».

أثناء العدوان أيضًا، برزت مراسلة من الجيل الشابّ على قناة «الجديد»، أُرسلت في مهمّة حربية تتطلّب في المؤسّسات الإعلامية «المرموقة» سنين خبرة في العادة. بالطبع، واجهت المراسلة الشابّة صعوبات ووقعت في أخطاء، وجلّ مَن لا يخطئ، مخالفةً اسم شهرتها الذي يرمز بالعامّية إلى القوّة. وقبل أيّام، عاد «النبيّ»، هذه المرّة من أجل إلزام نوّاب الأمّة بمَن ارتآه مُرسلوه جديرًا بالتنصيب رئيسًا على اللبنانيّين. ويا للمصادفة! فقد ارتأت قناة «الجديد» إرسال المبتدئة إيّاها، فكانت مثل «أليس» في «بلاد العجائب»، رغم كونها أساسًا نتاج بلاد العجائب. في مقطع أوّل أثار السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، يسير هوكشتين بين الصحافيّين كأنّه على السجّادة الحمراء في هوليوود، بينما تضحك له الصحافيّة المتحمّسة، لتعايده بحلول السنة الجديدة: «Happy new year» تصرخ مرّتين، كأنّ مرّة وحيدة ليست كافية، وتكمل بضحكة الولد الذي حصل أخيرًا على لعبة طال انتظارها، فيما يكتفي عاموس بابتسامة لئيمة. لا تبالي الصحافية بالسخرية، فالعالم مليء بالضجيج الذي لا يجب أن يؤثّر في عزيمة الشخص، وخصوصًا في «أوّل طلعته». في تعليق لها على المقطع الذي نشره حساب «علّوش» الشهير على منصّة X ونال التعليقات المستهزئة، كتبت: «عم عايدو للزلمة شو في؟»، وأضافت «إيموجي» مبتسمًا مع قلوب تحوم على وجهه، مثل شخصيّات الرسوم المتحرّكة عندما تكون «مغرومة».

المقطع الثاني الذي جلب السخرية نشره أهل البيت، فوضعته «الجديد» على صفحاتها! هنا ظهر «النبيّ» خلف المنبر بينما تصرخ المبتدئة من جديد، أو ربّما صوتها «صارخ» بطبيعته. بالإنكليزية وبحماستها المعتادة، تسأل جندي الاحتلال السابق: «هل ستعود إلى لبنان قريبًا؟». وبعد جوابه، تُعقّب: «نعرف أنّك تحبّ اللبنانيّين وتحبّ الجميع هنا، لديك علاقات جيّدة هنا». حقًّا. «الانتقال» يعتبره كثر «موتًا»، لكنّه في الواقع حياة في «بلاد أليس». عاموس تجنّد في خدمة الاحتلال، وتبوّأ مناصب في الإدارة الأميركية، ودعم مجهودهما الحربي على فلسطين ولبنان وحتّى سوريا، كلّ ذلك بسبب حبّه اللبنانيّين. لا، بل بسبب حبّه «للجميع» هنا، أي بما في ذلك المقاومة وحزبها وجمهورها؟ لا يهمّ.

المهمّ أنّ الصحافية تيك، صورة عن المستوى الذي وصلته «عاصمة الإعلام العربي». بسبب حماستها لـ«برستيجها» حديث المنال وعدم تمرّسها، فضحت المسكينة ما في بواطن غالبية الصحافيّين. لذا، لا نريدها «كبش محرقة»، بل نستخدم مثالها مجرّد نافذة لما في الداخل. ويمكن أن نغفر لها أخطاءها ريثما تحصّل بعض الخبرة، فهناك صحافيّون متمرّسون و«مخضرمون» يرتكبون ما هو أسوأ بكثير، وعن سابق تصوّر وتصميم. بل إنّ قائمين على وسائل الإعلام ينفّذون ما يطلبه منهم «الكاوبوي» الأميركي، تمهيدًا للاستسلام لمشيئة العدوّ والتطبيع والتوطين وتبذير الغاز وبيع أصول الدولة والخصخصة والدولرة والاستهلاك المفرط وزيادة الديون وتعويم المصارف وإحياء النموذج الريعي وصيانة التركيبة الطائفية... أي لاستمرار العقود التي مضت كأنّ شيئًا لم يكن!

 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد