حسين إبراهيم ـ الأخبار
قبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، أمس، كانت السكاكين قد سُنّت للانقضاض على رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو. ذلك أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع حركة «حماس»، كرّس فشل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تحقيق ولو هدف واحد من أهدافها المعلنة والمضمرة، فيما ثمة إجماع في "إسرائيل" على أن المقاومة انتصرت فيها. كما أن نتنياهو الذي ظل يراوغ طوال الحرب، رافضاً وقفها، لم يقبل إنهاءها بملء إرادته، بل هو أُجبر على القبول بوقف النار لأن الغرب لم يعد يتحمّل القتال، ويعتقد أنه كان يجب أن ينتهي قبل ذلك، على الأقل بعد اندلاع الحرب الكبرى في لبنان، والتغييرات التي حملتها إلى المنطقة، ولا سيما سقوط النظام السوري.
في تلك اللحظة، اعتبر الغرب أنه آن الأوان لبدء الحصاد، الذي يتمثّل بقطف فرصة مفترضة لترتيب الأوضاع في المنطقة ككل، وتثبيت المكاسب التي يرى أنها تحقّقت عسكرياً (بفعل الدعم الأميركي في الأساس)، وعلى رأسها تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة؛ وهذا يتطلب، من وجهة نظره، إعادة بناء السلطة في دول كلبنان وسوريا والعراق، بما يكرّس ذلك التراجع. وإزاء هدف بالحجم المذكور، بمعزل عن واقعيته من عدمها، وما يكون رد إيران وحلفائها عليه، لم يعد لدى نتنياهو، ولا لدى غلاة اليمين في حكومته، ترف رفض وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. كما أن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، الذي لا يتصرف، كما سلفه، كما لو أنه متهَّم عليه أن يثبت كل يوم صهيونيته، لا يجد حرجاً في أن يخسر نتنياهو وشركاؤه سياسياً، وهم الذين رفعوا في الأساس سقف الأهداف إلى درجة لا يمكن الوصول إليها، وبالتالي يتحمّلون بأنفسهم مسؤولية فشلهم. وفي كل الأحوال، هم لا يصلحون في الأساس لموسم الحصاد الغربي، والذي ستكون ركيزته توسيع دائرة التطبيع مع "إسرائيل" ليشمل دولاً عربية أخرى وتحديداً السعودية. والأخيرة قد يحرجها أمام رأيها العام أن تطبّع مع حكومة فيها أمثال إيتمار بن غفير وبتسليئيل سموتريتش وعميحاي إلياهو وغيرهم.
على أن ثمة ملاحظة يمكن إيرادها هنا تتعلق بلهجة سعودية جديدة، أكثر تشدداً، حيال إسرائيل، كانت غائبة تماماً قبل الأشهر الأخيرة من الحرب، حين كانت المجازر الإسرائيلية تقتل مئات الفلسطينيين يومياً. يومها، وافقت المملكة على فتح خط بري من الإمارات عبر أراضيها والأردن إلى إسرائيل للالتفاف على الحصار البحري الذي فرضته صنعاء على الأخيرة، والذي شل ميناء إيلات على البحر الأحمر تماماً. ولا يفسّر هذا التغيّرَ تحوّلٌ مبدئي في الموقف السعودي، بقدر ما يفسّره استعداد الرياض لدور مطلوب أميركياً في الفترة المقبلة، ولا سيما أن العائد إلى البيت الأبيض هو الذي كان رافعة وصول وليّ العهد، محمد بن سلمان، إلى السلطة عام 2017.
ارتكازاً إلى ما تقدّم، يبدو أن الأمر لن يطول قبل أن يقع نتنياهو، الذي يواجه تهم فساد أصلاً، في قبضة القضاء لتبدأ السكاكين في النيل منه بعد أن يُفتح في وجهه أيضاً ملف الفشل الذي أدى إلى عملية «طوفان الأقصى»، والذي أبقاه نتنياهو مغلقاً بحجة التفرغ لقيادة الحرب، وسيضاف إليه الفشل في تحقيق أهداف الحرب نفسها. على أن كل ذلك قد لا يعني سقوطاً محتماً لنتنياهو الذي يمتلك القدرة على الانتقال من رهان إلى آخر للنجاة بنفسه، وقد يتمكّن من التخفّف من أحمال كبِن غفير، والمراهنة على دعم عن يساره، سواء ممن خرجوا من حكومة الحرب أو حتى من اليسار الفعلي الذي عرض توفير أصوات في «الكنيست»، لإنقاذ الحكومة الحالية من تداعيات محتملة للصفقة.
في كل الأحوال، كانت نتيجة الحرب حتى الآن انتصاراً لحركة «حماس» والمقاومة الفلسطينية، على رغم التضحيات والآلام والعذابات التي عاشها أهل قطاع غزة خلال 16 شهراً، حتى لو لم تبق الحركة حاكمة للقطاع، أو لم تستطع إعادة ترميم قدراتها العسكرية في المدى المنظور. يكفي أنها استطاعت تثبيت خيار المقاومة باعتباره الخيار الأكثر فائدة، وأعادت قضية فلسطين إلى صدارة الاهتمام العالمي، ورسّختها في ضمائر أجيال شابة في كل أنحاء العالم لم تكن تعرف عنها الكثير. وهذا انتصار أيضاً لحلفاء «حماس»، في إيران ولبنان واليمن والعراق، والذين كانوا شركاء فعليين فيه، سواء بالإسناد المباشر، أو بالدعم بالمال والسلاح، واللذين من دونهما لم يكن ممكناً للانتصار أن يتحقّق.