أوراق إعلامية

الفايسبوك اللبناني سوق مزادات على الوثائق النادرة

post-img

رضا صوايا/ جريدة الأخبار

يوميًا وفي توقيت شبه ثابت، تقع منافسة شرسة وتسابق محموم على عدد من الصفحات على موقع فايسبوك في لبنان. التنافس يتركّز على كتب نادرة ومخطوطات وجرائد ومجلات وطوابع وعملات قديمة. روتين أصبح أشبه بطقس مقدّس لعشّاق القراءة وهواة الجمع الذين ينتظرون إشعارًا محددًا يُنبئهم بأنّ «العروض ستبدأ بعد قليل». جملة كفيلة بجعل كل متابع متفرّغًا ومتحفّزًا للحظة نشر العرض الأول وما يليه من عروضات لاكتشاف إن كان سيكون له نصيب من الغلة الثقافية.

ينشر المحتوى اليومي إما بشكل فردي، وكل قطعة بمفردها، كما في معظم الأوقات، مع سعر محدد، أو ضمن مجموعة تتضمن غالبًا عروضات في حال شراء عدد من الكتب من ضمن هذه المجموعة المحددة. وتحضر يوميًا ـــ بحسب الصفحات وتنوّع خدماتها ـــ تجربة «المزاد» لبعض القطع التي قد تتمتع بميزة خاصة وقادرة على تحريك عجلة التنافس للوصول إلى السعر الأعلى.

يكفي لصاحب التعليق الأول أن يكتب كلمة «حجز» أو reserve ليضمن حصوله على المعروض. وهو ما يتطلّب غالبًا سرعةً فائقة لناحية البحث على محرك غوغل للتأكد من محتوى بعض الكتب ومضمونها قبل حجزها. وكم يكون الإحساس بالحزن كبيرًا إن تأخر الحجز وفاز بالمعروض مشترٍ آخر، ما يدفع بكثيرين إلى السؤال تحت المنشور عينه إن كانت تتوافر نسخ أخرى من الكتاب نفسه.

من أبرز الصفحات في لبنان وأكثرها انتشارًا وموثوقية Documents and Collectables التي تديرها مؤسسة «شازام»، وصفحة ABCD Lebanon – Antiques Books Collectibles & Documents.

يكشف روني أبي عاد، المسؤول عن صفحة ABCD Lebanon أنّ مكتبته تعد من الأكبر في لبنان من حيث الكتب النادرة، إذ تضم «حوالى 50 ألف كتاب و 50 ألف مجلة». وقد دفعه السوق والإقبال الكثيف إلى تأسيس موقع buylebanesebooks.com قبل عامين بهدف عرض مقتنياته، التي «لم أتمكن حتى اللحظة إلا من إدخال ربعها إلى الموقع». رحلة روني، مهندس الكهرباء وأستاذ الدولة، بدأت قبل ثمانية أعوام حين وقع بالمصادفة على عرض منشور على إحدى الصفحات لمجموعة من الجران والمحادل. جذبه العرض واشتراه، ونجح في بيعه في اليوم التالي بثلاثة أضعاف المبلغ الذي دفعه. وبدأ المشوار «الذي شمل كل شيء، وليس الكتب حصرًا في البداية». أصبح اسم روني متداولًا في السوق، وحتى لدى نواطير البنايات، في حال كانت هنالك شقق يرغب سكانها في إخلائها أو رمي بعض أثاثها. و«أصبحت أتلقى اتصالات من هواة الجمع، ومن أصحاب شقق ونواطير وشركات تعمل على تفريغ البيوت. وكنت أشتري كل شيء أو ما يجذبني باعتدال».

أما صفحة Documents and Collectables فتعود إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، مع تأسيس صاحب شركة «شازام» فادي الديري وأصدقائه سوق البرغوث. ويكشف الديري أنّ «وسائل التواصل الاجتماعي طورت العمل ولا يمكن مقارنة تجربة الماضي بالحاضر، وقد أسّسنا الصفحة قبل 15 عامًا، وأصبح لدينا شركاء في فرنسا ونيويورك والخليج وشمال أفريقيا».

أما عن كيفية إيجادهم للكتب والمخطوطات النادرة، فيشدد الديري على أنّ «صاحب المكتبة لا يبيع مكتبته. مستحيل. وما يحصل في الكثير من الأحيان، أنه بعد وفاة الشخص، قد لا يكون لباقي أفراد الأسرة أو الأولاد اهتمام بالكتب، فيقررون التخلص منها. واسمنا معروف في السوق فيتّصلون بنا. وفي بعض الحالات، تقرر عائلة الهجرة، فتعرض علينا المكتبة وطبعًا لقاء مقابل عادل».

تؤدي المصادفة دورًا كبيرًا في هذا المجال، إلى درجة «أنّني أندهش بكيفية وصول بعض الكتب والوثائق إليّ»، على ما يقول روني أبي عاد، المسؤول عن صفحة ABCD Lebanon. ويوضح: «في إحدى المرات، وصلتني صناديق من وزارة النقل من مصلحة السكك الحديد، تضمّ مستندات ووثائق من الثلاثينيات من القرن الماضي وتتضّمن خرائط ومعلومات عن الموظفين والزي الذي كانوا يلبسونه، ولا أعلم لماذا تخلوا عنها. وفي إحدى المرات، عُرض عليّ كتاب جدي المكتوب بخط يده حول فن الطبخ اللبناني وكان وقتها من أبرز الكتب».

البارز في هذا المجال أنّ لكل ورقة ومجلة وجريدة ووثيقة قيمة. ولا يشترط أن تكون مرتبطة بحدث معيّن. هنالك هواة جمع لكل شيء. وبحسب الديري «هنالك من يبحث عن مجلات وجرائد بحسب المواضيع، وهنالك من يجمعون أعدادًا من نفس الجريدة والمجلة كونها تعني لهم لأسباب عدة، وهنالك من يبحثون عن وثائق إضافية لأبحاثهم وكتاباتهم». ويلفت أبي عاد إلى أنّ «غالبية زبائني هم كتّاب وباحثون». حتى الصور الشخصية لها أهميتها، وتُفيد الكثير من الباحثين والكتّاب للتعمق في حقبة تاريخية معينة أو لاستخدام بعض الصور في أعمالهم. ويكشف أبي عاد عن واقعة حدثت معه «حين وجد الكاتب جورج البستاني لديّ صورة لأمه من ضمن ألبوم لصديقتها كان قد سرق خلال أحداث عام 1975!».

أما حول من يعتبر أنهم أخذوا قرّاء من درب المكتبات، فيعتبر الديري «أننا منحنا القرّاء خيارات أوسع فقط، بسعر أرخص كون الكتب مستعملة، مع توفير للوقت. لكن المكتبات لها روّادها وتؤمن كتبًا جديدة لا تتوافر لدينا». من جهته، يرى أبي عاد أن المميز في عملنا أنّ «الكتب القديمة تكون مفلترة، أي إن المقتني يحافظ في مكتبته على الكتب الأهم والأبرز من حيث العناوين وتاريخ الطبعة، وهو ما يمنح عملنا جاذبية لدى الهواة».

وعن تفاعل الجيل الجديد مع هذا العالم، يشدد الديري إلى أنّ «الكثير من الشباب يبحثون عن كتب نادرة وطبعات محددة وهو ما يفاجئني في الكثير من الأحيان». ويتفق مع أبي عاد أنّ من أكثر الأمور رواجًا حاليًا في هذا العالم كتب الكوميكس والرسم.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد