أوراق ثقافية

مركز المطالعة في بنت جبيل يُقاوم في الحرب والسلم

post-img

بات مركز «المطالعة والتنشيط الثقافي» في بنت جبيل (جنوب لبنان) ملجًا ومتنفّسًا لأبناء المنطقة الحدودية في قضاء بنت جبيل ومحيطه. هو يعجّ بالزائرين منذ الصباح، إذ يقصده الطلاب بحثًا عن الإنترنت والكتب وخدمات تصوير المستندات، كما يرتاده المعلّمون للقاء طلابهم وشرح ما يصعب شرحه عبر التعليم من بُعد.

في وسط بنت جبيل، وتحديدًا في موقع سجن السراي القديم الذي استخدمه الفرنسيون لسجن الثوّار من أبناء جبل عامل، شُيّد مبنى مركز «المطالعة والتنشيط الثقافي» بدعمٍ ورعايةٍ من المجلس البلدي وأبناء بنت جبيل، لا سيما المغتربين الذين يحرصون على دعم هذا الصرح الثقافي وتنشيطه باستمرار.

افتُتح المركز بعد التحرير العام 2000 في مبنى الثانوية، بالتعاون بين الوكالة الدولية للفرنكوفونية، ووزارة الثقافة، وبلدية بنت جبيل. مع توسّع دوره ونشاطاته المختلفة، نُقل إلى مبنى السراي القديم المُستحدث، وجهّز بقاعاتٍ متعددة للكبار والصغار، إضافة إلى قاعة للرسم ومسرحٍ ومكتبةٍ عامةٍ كبيرة تضمّ اليوم أكثر من عشرة آلاف كتاب، وفقًا لمسؤولة المركز ريما شرارة.

توضح شرارة أنّه: «قبل العدوان الصهيوني الأخير على لبنان، كان المركز يستقطب أكثر من ألف زائر شهريًا. لكن مع بدء القصف على بنت جبيل في العام الماضي، توقفنا عن العمل، ثم استأنفنا بعد وقف إطلاق النار، وعملنا بالتعاون مع البلدية والمغتربين على ترميم الأضرار وتأمين الإنترنت والكهرباء، ما أسهم في إعادة افتتاح المركز.

سرعان ما توافد الأهالي إليه مجددًا، ولا سيما المعلمين وطلاب المدارس والجامعات، نظرًا إلى اعتماد التعليم عن بُعد في المنطقة بسبب تهدّم المدارس أو تضرّرها، إضافةً إلى تهجير الأهالي وانتقالهم إلى مناطق نزوحٍ مختلفة».

بعد انحسار الحرب، عاد العشرات من أبناء المنطقة الحدودية إلى بلداتهم المحرّرة أو إلى أماكن النزوح التي لجأوا إليها منذ بدء الحرب في غزة وحرب الإسناد في لبنان. يقول الطالب حسن حيدر: «بات مركز المطالعة ملجًا لنا، في ظل انقطاع الكهرباء والإنترنت عن أماكن نزوحنا القريبة من الحدود. هنا نجد كل ما نحتاجه بأسعار رمزية. نجتمع نحن الطلاب ونستخدم الإنترنت للتعلّم من بعد، كما نستفيد من آلات التصوير لطباعة الكتب والمعلومات التي يرسلها لنا المعلمون، فضلًا عن اللقاء بهم لحضور بعض الدروس التي لا يمكن شرحها عن بعد».

من جهتها، تشير شرارة إلى أنّ «المعلمين أيضًا يقصدون المركز خلال أوقات التدريس عن بعد، لاستخدام الإنترنت وتصوير بعض الدروس أو الكتب وتوفيرها لطلابهم». وتستذكر شرارة المدرّس الشهيد علي سعد، الذي ألّف كتابًا لطلابه خلال الحرب، وصوّره في المكتبة ووزّعه عليهم قبل أيامٍ من استشهاده في بنت جبيل.

إلى جانب دوره التعليمي والثقافي، يحتضن المركز جلسات الحوار والنقاش التي يشارك فيها أساتذة وأدباء المنطقة. كما أصبح ملاذًا لأبناء البلدة الراغبين في تصوير مستنداتهم العقارية المتعلقة بأملاكهم المتضرّرة من الحرب، خصوصًا بعد تدمير معظم المكتبات الصغيرة التي كانت تقدّم هذه الخدمات.

في السياق نفسه، يلفت الطبيب حكمت بيضون إلى أنّ «مركز الصليب الأحمر في بنت جبيل تعرّض للقصف الصهيوني، ما دفع الصليب الأحمر إلى استخدام مركز المطالعة كمقرّ موقتٍ لأنشطته الطبية، وتقديم الخدمات المجانية للأهالي بعد الحرب. كما خصّصت البلدية إحدى قاعات المركز كمقرٍّ موقتٍ لها، بعد تهدّم مبناها الأساسي».

تختم شرارة بالقول: «بعد حرب تمّوز (يوليو) العام 2006، تضرّر المركز، لكننا أعدنا تجهيزه وتطويره. واليوم، في هذه الحرب، نؤكد لأبناء المنطقة أنّ هذا المركز هو كالشعلة التي لا تنطفئ. وكعادته، سارع المغتربون إلى ترميمه وتأمين كل ما يلزم لإعادة تفعيل أنشطته، ليبقى ملاذ الأطفال والقرّاء والأدباء، إضافةً إلى المعلمين والطلاب».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد